وسنذكر علّة التسالم وعلّة التعادي، ولم طبعت رؤساء السّباع على الغفلة وبعض ما يدخل في باب الكرم، دون صغار السّباع وسفلتها، وحاشيتها وحشوها [1] ، وكذلك أوساطها، والمعتدلة الآلة والأسر [2] منها.
ولم نذكر، بحمد الله تعالى، شيئا من هذه الغرائب، وطريفة من هذه الطرائف إلا ومعها شاهد من كتاب منزل، أو حديث مأثور، أو خبر مستفيض، أو شعر معروف، أو مثل مضروب، أو يكون ذلك ممّا يشهد عليه الطبيب، ومن قد أكثر قراءة الكتب، أو بعض من قد مارس الأسفار، وركب البحار، وسكن الصّحاري واستذرى [3] بالهضاب، ودخل في الغياض [4] ، ومشى في بطون الأودية.
وقد رأينا أقواما يدّعون في كتبهم الغرائب الكثيرة، والأمور البديعة، ويخاطرون من أجل ذلك بمروءاتهم، ويعرّضون أقدارهم، ويسلّطون السّفهاء على أعراضهم، ويجترّون سوء الظّنّ إلى أخبارهم، ويحكّمون حسّاد النّعم في كتبهم، ويمكّنون لهم من مقالتهم. وبعضهم يتّكل على حسن الظّنّ بهم، أو على التسليم لهم، والتقليد لدعواهم. وأحسنهم حالا من يحبّ أن يتفضّل عليه ببسط العذر له، ويتكلّف الاحتجاج عنه، ولا يبالي أن يمنّ بذلك على عقبه، أو من دان بدينه، أو اقتبس ذلك العلم من قبل كتبه.
ونحن حفظك الله تعالى، إذا استنطقنا الشّاهد، وأحلنا على المثل، فالخصومة حينئذ إنّما هي بينهم وبينها، إذ كنّا نحن لم نستشهد إلّا بما ذكرنا. وفيما ذكرنا مقنع عند علمائنا، إلّا أن يكون شيء يثبت بالقياس، أو يبطل بالقياس، فواضع الكتاب ضامن لتخليصه وتلخيصه، ولتثبيته وإظهار حجّته.
فأمّا الأبواب الكبار فمثل القول في الإبل، والقول في فضيلة الإنسان على جميع الحيوان، كفضل الحيوان على جميع النامي، وفضل النّامي على جميع الجماد.