(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) *
(باب) بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم جنّبنا فضول القول، والثقة بما عندنا، ولا تجعلنا من المتكلّفين.
قد قلنا في الخطوط [1] ومرافقها، وفي عموم منافعها، وكيف كانت الحاجة إلى استخراجها، وكيف اختلفت صورها على قدر اختلاف طبائع أهلها، وكيف كانت ضرورتهم إلى وضعها، وكيف كانت تكون الخلّة عند فقدها.
وقلنا في العقد ولم تكلّفوه، وفي الإشارة ولم اجتلبوها [2] ، ولم شبّهوا جميع ذلك ببيان اللّسان حتى سموه بالبيان، ولم قالوا: القلم أحد اللسانين، والعين أنمّ من اللّسان.
وقلنا في الحاجة إلى المنطق وعموم نفعه، وشدة الحاجة إليه، وكيف صار أعمّ نفعا، ولجميع هذه الأشكال أصلا، وصار هو المشتقّ منه، والمحمول عليه، وكيف جعلنا دلالة الأجسام الصامتة نطقا والبرهان الذي في الأجرام الجامدة بيانا.
وذكرنا جملة القول في الكلب والدّيك في الجزأين الأوّلين، وذكرنا جملة القول في الحمام، وفي الذّبّان، وفي الغربان، وفي الخنافس، وفي الجعلان، إلّا ما بقي من فضل القول فيهما، فإنّا قد أخرنا ذلك، لدخوله في باب الحشرات، وصواب موقعهما في باب القول في الهمج- في الجزء الثالث.
وإذا سمعت ما أودعها الله تعالى من عظيم الصّنعة، وما فطرها الله تعالى عليه من غريب المعرفة، وما أجرى بأسبابها من المنافع الكثيرة، والمحن العظيمة، وما جعل فيها من الدّاء والدّواء- أجللتها أن تسميها همجا، وأكبرت الصنف الآخر أن تسمّيه حشرة، وعلمت أنّ أقدار الحيوان ليست على قدر الاستحسان، ولا على أقدار الأثمان.