وخساسة حالها- أظهر منها في الفرس الرّائع، وإن كان الفرس أنفع في باب الجهاد، وفي الجاموس مع عظم شخصه، وفي دودة القزّ، وفي العنكبوت- أظهر منها في الليث الهصور، والعقاب الشّغواء [1] .
وربما كان ذكر العظيم الجثة الوثيق البدن، الذي يجمع حدّة الناب وصولة الخلق أكثر فائدة، وأظهر حكمة من الصّغير الحقير، ومن القليل القميّ [2] . كالبعير والصّؤابة، والجاموس والثعلب والقملة.
وشأن الأرضة أعجب من شأن الببر [3] مع مسالمة الأسد له، ومحاربته للنمر.
وشأن الكركيّ [4] أعجب من شأن العندليب، فإن الكركيّ من أعظم الطّير، والعندليب أصغر من ابن تمرة [5] .
ولذلك ذكر يونس بعض لاطة الرّواة فقال [6] : «يضرب ما بين الكركيّ إلى العندليب» . يقول: لا يدع رجلا ولا صبيّا إلّا عفجه.
ويشبه ذلك هجاء خلف الأحمر أبا عبيدة، حيث يقول: [من السريع]
ويضرب الكركي إلى القنبر ... لا عانسا يبقي ولا محتلم
والعانس من الرجال مثله من النساء.
فلسنا نطنب في ذكر العظيم الجثة لعظم جثّته، ولا نرغب عن ذكر الصّغير الجثة، لصغر جثّته، وإنما نلتمس ما كان أكثر أعجوبة، وأبلغ في الحكمة، وأدلّ عند العامة على حكمة الرّبّ. وعلى إنعام هذا السّيّد.
وربّ شيء الأعجوبة فيه إنما هي في صورته، وصنعته، وتركيب أعضائه، وتأليف أجزائه، كالطاووس في تعاريج ريشه، وتهاويل ألوانه، وكالزّرافة في عجيب