وكذلك نقول في خلق جهنم: إنها نعمة عظيمة، ومنّة جليلة، إذا كان زاجرا عن نفسه ناهيا، وإلى الجنة داعيا. فأما الوقوع فيها فما يشكّ أنه البلاء العظيم.
وكيف تكون النقم نعما! ولو كانت النقمة نعمة لكانت رحمة، ولكان السّخط رضا وليس يهلك على البينة إلا هالك. وقال الله عزّ وجلّ: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ
[1] .
وقال الحسن: «والله يا ابن آدم، ما توبقك إلا خطاياك! قد أريد بك النجاة فأبيت إلا أن توقع نفسك» !.
وشهد الحسن بعض الأمراء، وقد تعدّى إقامة الحدّ، وزاد في عدد الضرب، فكلمه في ذلك، فلما رآه لا يقبل النصح قال: أما إنك لا تضرب إلا نفسك، فإن شئت فقلّل، وإن شئت فكثّر.
وكان كثيرا ما يتلو عند ذلك: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ
[2] .
والعقاب عقابان: فعقاب آخرة، وعقاب دنيا. فجميع عقاب الدنيا بليّة من وجه، ونعمة من وجه. إذ كان يؤدّي إلى النعمة وإن كان مؤلما. فهو عن المعاصي زاجر، وإن كان داخلا في باب الامتحان والتعبّد، مع دخوله في باب العقاب والنعمة؛ إذ كان زجرا، وتنكيلا لغيره. وقد كلّفنا الصبر عليه، والرضا به، والتسليم لأمر الله فيه.
وعقاب الآخرة بلاء صرف، وخزي بحت. لأنه ليس بمخرج منه، ولا يحتمل وجهين.
وقال أبو إسحاق: الجمر في الشمس أصهب [3] ، وفي الفيء أشكل [4] ، وفي ظلّ