وأما الخبر الذي مخرجه مخرج العموم ومعناه الخصوص، فهو قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} 1 فعقل المؤمنون عن الله عز وجل عند نزول هذا الخبر أنه لم يعن إبليس فيمن تسمعه الرحمة لما قدم فيه من الخبر الخاص قبل ذلك وهو قوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} 2 فكان إبليس ومن تبعه خارجين بهذا الخبر الخاص من رحمته التي وسعت كل شيء، فصار معنى ذلك الخبر العام خاصا لخروج إبليس ومن تبعه من رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء، فلما أنزل الله عز وجل هذه الأربعة الأخبار، خص العرب بفهمها ومعرفة معانيها وألفاظها وخصوصها وعمومها والخطاب بها، ثم لم يدعها اشتباها على خلقه فيجد الملحدون السبيل إلى الإلحاد في صفاته والطعن على أخباره والتشبيه علي خلقه من غير العرب الذين لم يعقلوا عنه ما أراد بخطابه حتى جعل فيها بيانا ظاهرا وعلما واضحا لا يخفى على من سمعه وتدبره وتفهمه من غير العرب، لمن لا يعرف الخاص، والعام، واسم، والمبهم، تفضلا منه وتكرما وإحسانا إلى خلقه وإثباتا منه للحجة على من ألحد في كتابه وصفاته وما هو من ذاته، فإذا أنزل الله تبارك وتعالى خبرا مخرج لفظه خاص ومعناه عام، أو خبرا مخرج لفظه عام ومعناه خاص لم يدعه إشكالا على خلقه حتى يجعل أحد بيانين، إما أن يستثني من الجملة شيئا يكون بيانا للناس جميعا، أو يقدم قبله خبرا خاصا، فإذا أنزل بعده خبرا عاما لم يتوهم أحد من العلماء إنه عنى ما خصه في الخبر الذي قدمه قبل نزول العام إذ كان قد خصه ونصه قبل ذلك.
قال عبد العزيز: فأما الخبر الذي ينزل على لفظ العموم ثم يستثني من الجملة ما لم يعنه في العموم فهو قوله عز وجل في قصة نوح عليه السلام: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} 3 فعقل المؤمنون عن الله عز وجل حين استثنى الخمسين سنة من الألف إن الألف لم يستكملها نوح في قومه أيام الطوفان قال: فكان ابتداء اللفظ عاما بالألف سنة، ومعناه خاصا بالاستثناء للخمسين سنة،