جوابي، فجعل يقول: يا أمير المؤمنين إن نفي الجهل عنه هو جوابه وهو الذي عناه الله في كتابه وهو والذي يطالبني به واحد إلا أن اللفظين مختلفان".
قال عبد العزيز: فقلت: "يا أمير المؤمنين إن نفي السوء لا تثبت به المدحة" قال بشر: "وكيف ذلك"؟ قلت: "إن قولي هذه الاسطوانة لا تجهل ليس هو إثبات العلم لها".
قال عبد العزيز: "ثم أقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين إنه لم يمدح الله تعالى في كتابه ملكا ولا نبيا ولا مؤمنا بنمي الجهل ليدل على إثبات العلم، وإنما مدحهم بالعلم فقال عز وجل: {كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} 1 ولم يقل لا يجهلون، وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} 2 وقال عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 3 ولم يقل الذين لا يجهلون فهذا قول الله تعالى ومدحته للملائكة وللنبي صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين فمن أثبت العلم نفى الجهل، ومن نفى الجهل أيثبت العلم،- وعلى الخلق جميعا أن يثبتوا ما أثبت الله، وينفوا ما نفى الله، ويمسكوا عما أمسك الله، فما اختار بشريا أمير المؤمنين من حيث اختار الله لنفسه، ولا من حيث اختار للملائكة، ولا من حيث اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولا من حيث اختار لعباده المؤمنين، فمن أجهل ممن اختار لنفسه غير ما اختار الله لنفسه ولملائكته ولأنبيائه ولعباده المؤمنين".
قال عبد العزيز: فقال لي المأمون: "فإذا قال بشر إن لله علما وأقر بذلك فيكون ماذا، قلت: اسأله يا أمير المؤمنين عن علم الله هل هو داخل في الأشياء المخلوقة حين احتج بقوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 4 فزعم إنه لم يبق شيء إلا وقد أتى عليه هذا الخبر. فإن قال: نعم فقد دخل في الأشياء المخلوقة فقد شبه الله يا أمير المؤمنين بخلقه الذين أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، وكل من تقدم (وجوده) قبل علمه فقد دخل عليه الجهل فيما بين وجوده إلى حدوث