والزهد والتقى، والهجرة، والسبق إلى الإسلام، والجهاد، والدعاء إلى الله عز وجل، وتعليم الناس الفروع والأصول؛ ومعلوم من حال أمير المؤمنين التقدم في هذه الخصال، فيجب أن نشهد بأنه أفضل الأمة، لا بأن الأخبار دلت على فضله.
والمعتزلة يسمون: لسان الكلام، ويسمون: العدلية، لقولهم بالعدل والتوحيد. وقيل: إن المعتزلة ينظرون إلى جميع المذاهب كما تنظر ملائكة السماء إلى أهل الأرض مثلاً، ولهم التصانيف الموضوعات، والكتب المؤلفات في دقائق التوحيد، والعدل والتنزيه لله عز وجل، ما لا يقوم به سواهم ولا يوجد لغيرهم، ولا يحيط به علماً لكثرته إلا الله عز وجل، وكل متكلم بعدهم يغترف من بحارهم، ويمشي على آثارهم؛ ولهم في معرفة المقالات، والمذاهب المبتدعات، تحصيل عظيم، وحفظ عجيب، وغوص بعيد، لا يقدر عليه غيرهم، ينقدون المذاهب كما تنقد الصيارفة الدنانير والدراهم.
ويقال: إن لمذهب المعتزلة أسانيد تتصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليس لأحد من فرق الأمة مثلهم، ولا يمكن خصومهم دفعه، وذلك أن مذهبهم مستند إلى واصل بن عطاء، وإن واصلاً يستند إلى محمد بن علي بن أبي طالب وهو ابن الحنفية، وإلى ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي، وإن محمد يسند إلى أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن علياً يسند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان واصل بن عطاء من هل المدينة، رباه محمد بن الحنفية وعلمه، وكان مع ابنه أبي هاشم في الكتاب، ثم صحبه بعد موت أبيه صحبة طويلة؛ وحكى عن بعض العلماء أنه قيل له: كيف كان علم محمد بن علي؟ قال: إذا أردت أن تعلم ذلك فانظر إلى أثره في واصل.
ثم انتقل واصل إلى البصرة، فلزم الحسن بن أبي الحسن البصري.