وأما قوله تعالى في أول (براءة) : {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} . . .؛ ففيه قولان:
أحدهما: أن المراد بها هذه بعينها.
والثاني: أن المراد بها الأربعة التي جعل الله لهم أن يسيحوا فيها آمنين، وهو قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} ، وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم، وصفر، وربيع، وعشر من ربيع الآخر. قاله الحسن.
فأما قوله: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ؛ فقال ابن عباس: " الضمير عائد على الشهور كلها ".
وقال قتادة: " بل هو عائد على الأربعة الحرم؛ لعظم أمرها ".
فإن قيل: لم جعل بعض الشهور أعظم حرمة من بعض؟
قلنا: أفعال القديم عندنا لا تعلل؛ لأنه تعالى لا يفعل لغرض وعلة، ومن لا يفعل لغرض وعلة؛ لا يجوز أن يقال فيه: لم فعل؟ ولم لم يفعل؟
وأصحاب اللطف يجيبون عن ذلك؛ لما في ذلك من المصلحة في الكف عن الظلم فيها؛ لعظم منزلتها في حكم خالقها، فربما أدى ذلك إلى ترك الظلم رأسا؛ لانطفاء النائرة في تلك المدة، وانكشاف الحمية، ولأن