وفي صفر، دخل بعض الأتراك إلى دار الوزير مؤيد الدين القمي وطلب غفلة الستري وانتهى إلى مجلسه فلم يصادفه جالساً، وكان بيده سيف مشهور وكان آخر النهار، وقد تقوض الجامعة من الديوان فصاح عليه خادم، فتبادر الغلمان وأمسكوه، وانتهى ذلك إلى مؤيد الدين فجلس وأحضر التركي بين يديه وسأله عما حمله على ذلك؟ فلم يقل شيئاً، فضرب ضرباً مبرحاً، فذكر أنه له مدة لم يصله شيء من معيشته وهو ملازم الخدمة وقد أضر به ذلك، فحمله فقره وحاجته وغيظه على ما فعل فأمر بصلبه فصلب وحط بعد يومين.
وفيها، أنهى إلى الديوان، أن انساناً يهودياً أسلم وتزوج مسلمة ثم ارتد إلى دين اليهود، فأمر بقتله وفاحضر وصلب.
وقطع لسان إنسان جيء به من همذان تحت الاستظهار، نقل عنه أنه ادعى هناك اتصالا بالخليفة المستنصر بالله ثم حمل إلى المارستان فحبس به.
وفيها، اجتاز رجل بباب مسجد وقد نصب عليه خشب ليجعل عليه أضواء لاجل الختمة فوقع عليه جذع قمات وحمل إلى بيته فقال الجيران هذا تخاصم هو وزوجته اليوم فخرج وهو يقول (اشتهيت أن يقع علي شيء حتى أموت وأستريح منكم) .
وفي ليلة عيد الفطر، فتح باب في حائط دار الوزارة وجعل عليه شباك حديد وجلس فيه مؤيد الدين القمي نائب الوزارة واستعرض العسكر.
وفي شوال، تكامل بناء المدرسة التي أنشأها شرف الدين أقبال الشرابي بسوق العجم بالشارع الأعظم بالقرب من عقد سور سوق السلطان مقابل درب الملاحين، وكان المتولي لبنائها شمس الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد وكيل الخليفة المستنصر بالله وشرط الواقف، له النظر فيها وفي أوقافها، ثم بعده إلى من يلي وكالة الخلافة، وفتحت في آخر شوال ورتب بها الشيخ تاج الدين محمد بن الحسن الارموي مدرساً، وخلع عليه وعلى الفقهاء والعبيد وجميع الحاشية ومن تولى عمارتها، وحضر جميع المدرسين والفقهاء على اختلاف المذاهب، وقاضي القضاة عبد الرحمن بن مقبل، فجلس في صدر الايوان وجلس في طرفي الايوان محي الدين محمد بن فضلان، وعماد الدين أبو صالح نصر ابن عبد الرزاق بن عبد القادر فكلاهما قد كان قاضي قضاة وعمل من أنواع الاطعمة والحلواء ما تعبى في صحنها قبابا، وحمل من ذلك إلى جميع المدارس والاربطة، وقرئت الختمة وتكلم الشيخ محمد الواعظ ثم جلس المدرس بعده، وذكر دروساً أربعة فأعرب عن غزارة فضله وتوسع علمه، وفيها خلع على الأمير شمس الدين أصلان تكين، خلعة إمارة الحاج، وحج بالناس.
وفيها، توفي بركة بن محمود الساعي المشهور بالسعي والعدو وكان من أهل الحربية سعى من واسط إلى بغداد في يوم وليلة.
ومن تكريت إلى بغداد، في يوم واحد، وحصل له بسبب ذلك مال كثير وجاه عريض، واتصل بخدمة الخليفة الناصر لدين الله وجعله أخيراً مقدماً لرجال باب الغربة، فكان على ذلك إلى أن توفي.
وفيها، توفي الملك الأمجد أبو المظفر بهرام شاه بن فروخ شاه أبن شاهنشاه بن أيوب شاه بن شادي صاحب بعلبك، كان قد ملكها بعد أبيه فانتزعها الملك الاشرف موسى بن العادل أبي بكر محمد بن أيوب منه قهراً، وأخرجه عنها فرحل إلى دمشق وأقام بها. فاتهم بعض مماليكه بسرقة منطقة وحبسه، فوثب عليه ليلاً وقتله فأخذ المملوك وقتل، وكان الملك الأمجد أديباً فاضلاً شاعراً، فمن شعره يقول:
يؤرقني حنين وأذكار ... وقد خلت المعاهد والديار
تناءى الظاعنون فلي فؤاد ... تسير مع الهوادج حيث ساروا
وليلي بعد بعدهم طويل ... فأين مضت ليالي القصار
فمن ذا يستعير لنا عيونا ... تنام ومن رأى عيناً تعار