وفيها، توفي الملك العزيز محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب ابن شادي صاحب حلب، كان قد توفي أبوه الملك الظاهر غازي وهو طفل فعهد إليه وجعل أتابكه ومربيه والقائم بأمره وتدبير دولته خادماً اسمه طغرل ولقبه شهاب الدين فقام بتربيته وبالغ في حراسة دولته وأحسن السيرة في الرعية إلى أن كبر وصار من أحسن الشباب صورة فاختر منه المنية في عنفوان شبابه وقد جاوز عشرين سنة من عمره وخلف ولدا صغيراً فعهد إليه، ومن العجب أن الملك الظاهر غازي لما مرض أرسل إلى عمه العادل أبي بكر محمد صاحب مصر والشام رسولاً يطلب منه أن يحلف لولده محمد هذا فقال العادل: سبحان الله أي حاجة إلى هذه اليمين؟ الملك الظاهر مثل بعض أولادي. فقال الرسول: قد طلب هذا ولا بأس باجابته فقال العادل: كم من كبش في المرعى وخروف عند القصاب. وحلف له فتوفي الظاهر والرسول عند العادل ولم تطل أيام الملك عبد العزيز محمد.
وفيها، توفيت ست شمائل وأسمها شجرة الدر التركية، كانت حظية الخليفة الناصر لدين الله مقربة إليه وكانت تكتب خطا جيداً وكانت تقرأ له المطالعات الواردة عليه لما تغير نظره ويملي عليها الأجوبة، ودفنت في تربة الخلاطية.
وفيها، توفي الملك كيقباذين كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان السلجوقي صاحب قونية وآقصراي وسيواس وغير ذلك من بلاد الروم، وملك بعده أخوه كيكاوس وكان كيقباذ أول مالك كبكاوس فلما مرض أحضره وا.. بأولاده.
في سابع عشر شوال، وصل الخبر من أربل على جناح طائر بنزول عساكر المغول على أربل والأحاطة بها وتحصن أهل البلد بغلق الأبواب وصعود القلعة وأمر شمس الدين أصلان تكين الناصري بالتوجه إلى هناك جريدة ونفذ معه ثلاثة آلاف فارس بغير ثقل فتوجهوا في العشرين من الشهر وتوجه بعدهم الأمير مجاهد الدين أيبك الدويدار في جماعة من مماليكه جريدة ونفذ صحبته ابن كر الأربلي ثم خرج شرف الدين الشراب ومعه جماعة من الأمراء والمماليك وتوجه أيضاً نحوهم. وأحضر نصير الدين نائب الوزارة المدرسين والفقهاء واستفتاهم: إذا اتفق الجهاد والحج أيهما أولى؟ وأفتوا بأن الجهاد أولى، فأبطل الحج في هذه السنة، وأمر المدرسين والفقهاء ومشايخ الربط والصوفية برمي النشاب والاستعداد للجهاد وولي الأمير أيدمر الأشقر الناصري شحنة بغداد ووقع الاستظهار بنصب المناجيق على سور بغداد وأصلح الخندق، وأما المغول فأنهم نزلوا على أربل وحصروها ونصبوا المناجيق عليها، وقصدوا جهة من السور فهدموا جهة من السور فهدموا منه قطعة كبيرة ودخلوا البلد عنوة وقهراً فتحصن أهله ومعظم العسكر بالقلعة وقاتلوهم أشد قتال، وأمد المغول بدر الدين صاحب الموصل بما يحتاجون إليه من ميرة وآلة وغيرها، وأعوز أهل قلعة أربل الماء، فتلف منهم ألوف كثيرة بالعطش ولم يمكن دفنهم لضيقة الموضع ولا القاؤهم لئلا يسدوا الخندق فأحرقوا بالنار، ثم عاثوا في البلد أشد العيث نهباً وأسراً وأحراقاً وتخريباً، ثم اهتموا بالقلعة وجدوا في نصب المناجيق عليها فبلغهم وصول عساكر الخليفة فرحلوا راجعين إلى بلادهم في سادس ذي الحجة فورد الخبر بذلك إلى الشرابي فرجع والعساكر والأمراء في خدمته إلى بغداد فدخلها في ثالث عشر المحرم سنة خمس وثلاثين.
وفي المحرم، عزل علاء الدين هاشم بن الأمير السيد من صدرية المخزن ورتب عوضه فخر الدين محمد بن أبي عيسى نقلا من صدرية دجبل.
وفيها، حضر أسد الدين شير كوه صاحب حمص عالة وأخذها صلحاً ورتب بها نائباً.
وفيها، ولي أقضى القضاة عبد الرحمن بن اللمغاني تدريس الطائفة الحنفية بالمدرسة المستنصرية عوضاً عن أبن الانصاري الحلبي فإنه سأل الأذن في العود إلى بلده بأهله وأولاده فأذن له، وكانت مدة تدريسه بالمدرسة المذكورة أحداً وعشرون شهراً.
وفيها، في تشرين الأول جاء رعد هائل وبرق عظيم ووقعت صواعق كثيرة: منها صاعقة أصابت أنساناً بظاهر سور سوق السلطان قريباً من سوق الخيل كان على بغل فأحرقت بعض صدره ونصف البغل فوقعا ميتين ووقعت صاعقة أخرى في دار يهودي بخربة ابن جردة، وأخرى على نخلات بباب محول فأخرقتها، كل ذلك في ساعة واحدة، ووقعت صاعقة أخرى في شباط على الرواق بالمدرسة المستنصرية فشعثت منه موضعاً.