وفي ثالث شوال، توجه شرف الدين أبو الفضائل أقبال الشرابي بالعسكر فوصلوا في ثالث عشر شوال، وكان في القلعة خادمان أحدهما اسمه برنقش والآخر اسمه خالص، كانا قد كتبا إلى الخليفة وإلى عماد الدين زنكي صهر مظفر الدين والي بني أيوب حيث ثقل مظفر الدين في المرض يعرفانهم ذلك وقالا: من سبق إلينا كانت منتنا عليه. وكتبا إلى الملك الصالح أيوب بن الكامل أبي المعالي محمد يعلمانه بموته ويحثانه على المجيء فلما شاهدا عساكر الخليفة سقط في أيديهما وعلما أنه قد انتهى إلى الخليفة ما فعلا فامتنعا من فتح البلد فلما رأى الشرابي أنهم أغلقوا أبواب المدينة دونه، استدعى الأمير جمال الدين قشتمر وقال له: ما لهذا الأمر سؤال وإذا فعلت شيئاً لا يسع غيرك إلا موافقتك فركب في الحال من غير استراحة ودار ليله أجمع حول البلد وهم على السور، بالاضواء والطبول ثم قسم أبواب البلد على الأمراء وضرب هو خيمة مقابل باب عمكا واللونه أعظم الأبواب وأكثر المقاتلة هناك، ونصب البيت الخشب مقابل الباب بالقرب منه بحيث يسمع كلامهم ويسمعون كلامه، ويصل نشاب الجرخ إليه ولم يزل نهاره أجمع يرقب ما يعملون ويشاهد ما يصنعون وفي الليل يدور على العساكر ويحرض على الحراسة والحفظ، والشرابي يراسل الخادمين المذكورين ويخوفهما عاقبة العصيان فسألا أن يؤخرا يومين فأجيبا وكان وغرضهما أن يصل الملك الصالح أيوب المقدم ذكره، فلما انقضى الامد نفذ جمال الدين قشتمر إلى أحد زعمائهم وقال له: أخلفتم الوعد، وخوفهم وحذرهم، فرد عليه جواباً غير مرضي ثم رمى وراء رسوله بالنشاب فوقع قريباً من الاطناب فقال قشتمر لجماعة من مماليكه أقربوا منهم وتحرشوا بهم فأخذوا في سبهم ورموا بالنشاب إلى جهتهم فما زال الأمر يزداد حتى وقع الزحف على البلد وقت العصر واشتد الرمي من فوق السور بالنار وأنواع السلاح، وكثر في الفريقين القتل والجراح وسار قشتمرحتى وقف على الخندق فاشتد القتال حينئذ وقوي جأش المقاتلين بوجوده فركب الشرابي في لامة حربه ووقف على نشز فأخبر قشتمر بركوبه فقصده ووقف إلى جانبه، فساعة اجتماعمها أخبرا بالنصر والفتح وتسليم القلعة، ونهب أوباش العسكر بعض دورها، واستولى العسكر على البلد عنوة، وكتب الشرابي على جناح طائر إلى الخليفة بصورة الحال فحصل الاستبشار بذلك وضربت الطبول على باب النوبي، وأفرج عن جميع المعتقلين في الحبوس وحضر الشعراء في الديوان وأوردوا قصائد تتضمن الهناء بهذا الفتج والنصر. فمن أورد القاضي أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني قصيدة أولها:
مايثبت الملك بين الخوف والخطر ... حتى يقام ويسقى من دم البشر
لكل شيء طريق يستفاد به ... وليس للعز غير الصارم الذكر
ومنها:
مافتح أربل عن بخت لذي دعه ... ولا اتفاقاً كبعض النصر والظفر
لكنه كان قصد القادرين وأف عال المطيعين عن قصد وعن فكر
فليسمح الاشعري اليم لي فأنا ... في فتح أربل لا الوي على القدر
وقال أخوه عز الدين عبد الحميد الكاتب قصيدة، اتفق له فيها أن الوزير كان ترتيبه يوم سابع عشر شوال سنة تسع وعشرين وفتح أربل يوم سابع عشر شوال سنة ثلاثين فقال:
يا يوم سابع عشر شوال الذي ... رزق السعادة أولا وأخيرا
هنئت فيه بفتح أربل مثلما ... هنئت فيه وقد جلست وزيرا