أول صوت دعاك عن غرض ... لبيته مقبلا على السبب
ويقول فيها:
قد كنت ذاك الذي تظن به ... لو لم تكن مسرعاً إلى الرتب
شيخي أين الذي يعلمنا الز ... هد ويعتده من القرب
أين الذي لم يزل يسلكنا ... إلى خروج عن كل مكتسب
أين الذي لم يزل يعرفنا ... فضل العتري بالجوع والتعب
ومنها:
أين الذي لم يزل يرغبنا ... في الصوف لبسا له وفي الجشب
وأين من غرنا بزخرفه ... متى اعتقدناه زاهد العرب
وأين ذاك التجريد يشعرنا ... أن سواه في السعي لم يخب
وأين من لم يزل يذم لنا ... الدينا وقول المحال والكذب
وأين من لم يزل بأدمعه ... يخدعنا باكياً على الخشب
وأين من كان في مواعظه ... يصول زجراً عن كل مجتذ ب
ويقطع القول لا يتممه ... منظبا بالسماع والطرب
يقسم الغمر أنه رجل ... ليس في الوجود من أرب
لو كانت الأرض كلها ذهباً ... أعرض عنها أعراض مكتئب
أسفر ذاك الناموس مختيلاً ... عن راغب في التراث مستلب
وكان ذاك الصرخ يزعجنا ... شكوى فقير على الدنا وصب
شيخي بعد الذم الصريح لما ... أبينه جئته على طلب
نسيت ما قلته على ورع ... عني لما اكتسبت بالدأب
ويل له أن يمت بخدمته ... يمت كفوراً وليس بالعجب
ما كان مال السلطان مكتسباً ... لمؤمن سالم منالعطب
هذا ورزقي من وقف أربطه ... قدر طفيف أعطاه بالتعب
ولست في ثروة أسر بها ... دنياي منها موفورة النشب
فليت شعري ماذا أقول ... وقد حلت منها في مرتع خصب
أعطيت كراثة فتهت بها ... عن طلب كان أشرف الطلب
لو أنها نجمة خشيت على ... دينك شركا يكون عن كثب
وأن ذاك الحنيك منعطفا ... لجام من يدعي ولم ينب
شيخي بعد التفضيل منتقيا ... ثوباً قصيراً مجاوز الركب
اختلت في ملبس ذلاذله ... تسحب من طولها على الترب
يرفعها كل شادن غنج ... يفتن نساكنا على الرهب
واعتضت من عصي الزهادة من ... حولك مشي الغلمان بالقضب
لو كنت والله زاهداً ورعاً ... لم ترضى دنيا الغرور باللعب
وكان في الله شاغل أبداً ... عما تراه بعين محتجب
لا يغتر بعد ذا أخو ثقة ... بمحسن في جميل مطلب
وليتعظ مدعي تقريه ... بحال شيخي الفتون وليتب
فكتب النقيب قطب الدين الحسن بن الاقساسي إلى النقيب مجد الدين المذكور أبياتاً كالمعتذر عنه والمسلي له، يقول في أولها:
أن صحاب النبي كلهم ... غير علي وآله النجب
مالو إلى الملك بعد زهدهم ... وضطربوا بعده على الرتب
وكلهم كان زاهدا ورعاً ... مشجعاً في الكلام والخطب
فأخذ عليه فيها مآخذ فيما يرجع إلى ذكر الصحابة والتابعين وتصدى له جماعة وعملوا قصائد في الرد عليه، وبالغوا في التشنيع عليه، حتى أن قوما استفتوا عليه الفقهاء ونسبوه إلى أنه طعن في الصحابة والتابعين ونسبهم إلى قلة الدين فافتاهم الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتيا.
وفيها، قدم راجح بن قتادة مكتة شرفها الله تعالى في جمع كبير ودخلها واستولى عليها، وطرد من كان بها من عساكر الكامل أبي المعالي ودخلها واستولى عليها، وطرد من كان بها من عسكر الكامل أبي المعالي محمد بن العادل صاحب مصر، فلما بلغ الكامل ذلك أرسل إلى مكة عسكرا فلما علم راجح بقدومهم نزح عنها فدخلها العسكر بغير محاوبة، وطبيوا قلوب أهلها وأحسنوا إليهم، بخلاف ما فعل راجح لما وليها