الحله السيراء (صفحة 574)

وَلما ضعف أَمر أبي عبد الله مُحَمَّد بن سعد بشرق الأندلس وانسلخ من طَاعَته أَبُو إِسْحَاق بن همشك صهره بجيّان وَمَا إِلَيْهَا ثمَّ ابْن عَمه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سعد بالمريّة واستوحش حَتَّى من نَفسه أخرج أهل بلنسية مِنْهَا وأسكنهم ظَاهرهَا وشحنها بالروم وأتباعهم وَنوى ذَلِك فِي غَيرهَا فخاف أَبُو بكر بن سُفْيَان هَذَا أَن يُخرجهُ من بَلَده وَكَانَ فِيهَا متّبعاً فَدَعَا للموحدين أعزهم الله وخلع ابْن سعد وَرَأس بموضعه ومالأ جِيرَانه

فأنفذ إِلَيْهِ الرئيس أَبُو الحجاح يُوسُف بن سعد قائداً من كبار أَصْحَابه فِي جملَة من خيله ورسم لَهُ حصاره والتضييق عَلَيْهِ فَبَدَأَ بمنازلة منتصف شَوَّال من سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَأقَام على ذَلِك إِلَى منتصف ذِي الْحجَّة وَابْن سُفْيَان يقاومه وَيقوم بتدبير بَلَده والأمداد تتلاحق فِي كل حِين وتحدق بِهِ وَابْن سعد وَأَخُوهُ أَبُو الْحجَّاج قد اكتنفاه فِي الجموع الكثيفة حَتَّى خيف من الوهن

فاقتحم الْبَلَد ذُو الوزارتين أَبُو أَيُّوب بن هِلَال مقوياً عزائم أَهله وضامناً لَهُم الِاسْتِقْلَال بضبطه فتخلى ابْن سُفْيَان لَهُ عَنهُ رَاضِيا فِي الظَّاهِر متبرماً فِي الْبَاطِن وَتَوَلَّى ابْن هِلَال من المصابرة فِي تِلْكَ المحاصرة والمحاولة لتِلْك المصاولة مَا أبقاه أثرا مَشْهُورا وخبراً تداولته الألسن دهوراً واعتل ابْن سعد خلال ذَلِك فلحق بمرسية وألزم أَخَاهُ مُلَازمَة الْبَلَد فتنفس الخناق ثمَّ انتعشت بوفاته الأرماق

وَلابْن سُفْيَان حَظّ من النّظم قصره على الزّهْد وَهُوَ الْقَائِل من أَبْيَات

(كلّ عَطاء فَإلَى عِلّة ... لَا شكّ يُفْضِي ولوجه السّقم)

(إِلَّا الَّذِي مِنْك بِلَا عِلّة ... يَا خَالق الْعَرْش ومجري الْقَلَم)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015