أمَرْتُكَ الخَيرَ فافعلْ مَا أُمِرْتَ بِهَ ... فقد تركتُكَ ذَا مَالس وذَا نَشبِ
والمعنى على هذه الرواية: أن أهلها ينعمون عيناً بورود الأضياف، فنسب ذلك إلى الإبل، والمراد أصحابها، لأن الإبل لا تنعم عيونها بالأضياف، بل يعز عليها ذلك، لأنها تنحر عند ورودهم، فهي تكرهم، وتكره أصحابها.! وبعد هذا البيت:
حُوَاسَاتِ الْعِشَاء خُبَعْثِنَاتٍ ... إذَا النَّكْباءُ نَاوَحَت الشِّمَالاَ
وقال ابن الأعرابي: الحواس: الأكول الذي لا يشبع.
والخبعثن: الشديد من الإبل وغيرها.
وأنشد أبو القاسم في باب التصريف:
أَلَمْ يأْتِيكَ والأنْباء تَنْمِي ... بِما لاَقَتْ لَبُونُ بَنِي زِياد
هذا الشعر لقيس بن زهير العبسي.
قاله فيما شجر بينه، وبين الربيع بن زيادة العبسي.
وذلك أن أحيحة بن الجلاح، كان وهب لقيس درعاً يقال لها: ذات الحواش، فأخذها منه الربيع بن زياد، ولم يردها له فأغار قيس على إبل الربيع بن زياد، وأخذ له أربعمائة ناقة، وقتل رعاتها، وفر إلى مكة، فباعها من حرب بن أمية، وهشام بن المغيرة بخيل وسلاح، وقال في ذلك:
ألم يأتيك والأنباء تَنْمِي ... بما لاقتْ لَبُونُ بَنِي زيَادِ
ومَحْبِسُها على القرشيّ تُشْرَى ... بأدْراع وأسْيَافٍ حِدَادِ
وما كانت بَفَعْلةِ مثل قيس ... وإنْ تك قد غَدَرْتَ فَلَم تُفَادِ
أخذت الدِّرع مِنْ رجل أبيٍّ ... ولم تَخْشَ الْعُقُوبةَ في الْمعَادِ
ولولا صهره مِنيّ لكانت ... به العثراتُ في سُوء المقادِ
جزيتك يا ربيع جزاء سوء ... وقد تُجْزَى المقارضُ بالأَيادِي
وقوله: والأنباء تنمي يريد، شهرتها وسيرها في الناس حتى تصل، يقال: نمى الخبر لي، ينمي.
واللبون الإبل ذوات اللبن، وهو اسم مفرد أراد به الجنس.
والباء في وقوله: بما لاقت زائدة، كزيادتها في قوله تعالى: " وكفى بالله شهيداً ".
اجرى يأتيك مجرى الأفعال الصحيحة، فحذف الضمة للجزم لأنه إذا اضطر في غير جزم حركها بالضم.
وقول أبي القاسم رحمه الله تعالى: إنها لغة خطأ، وقد ذكرنا ذلك.
وأنشد أبو القاسم في باب: شواذ الأدغام:
سَوَى أنَّ العِتَاق مِنَ الْمطَايَا ... حَسَيْنَ به فَهُنَّ إليه شوسُ
هذا البيت: لأبي زبيد الطائي واسمه حرملة بن المنذر.
وقال ابن قتيبة: اسمه المنذر بن حرملة. وكان نصرانياً: ويروى أنه كان يشرب يوما في البيعة، وحوله نصاري، فرفع راسه إلى السماء، ثم نظر فرمى بالكأس من يده، وقال:
إذا جُعِل المرءُ الّذي كانَ حازماً ... يُحَلُّ حَلَّ الُوَارِ ويُحْمَلُ
فَلَيسَ لَهُ فِي العَيش خَير يُرِيده ... وتكفِينه مَيْتاً أَعَفُّ وأَجمَلُ
ثم زهقت نفسه!! وأكثر شعره في صفة الأسد.
قال شعبة: قلت للطرماح: ما شأن أبي زيد وشأن الأسد؟! فقال: إنه لقى الأسد بالنجف فسلخه.! وقيل هذا البيت:
فَباتُوا يُدْلجونَ وباتَ يَسْرِي ... بصير بالدُّجى هَادٍ غَمُوسُ
إلى أنْ عرّسوا وأغبَّ عنهم ... قريباً ما يُحَسُّ له حَسِيسُ
سَوَى أنَّ العِتَاقَ مِنَ الْمطَايا ... حَسَين بِهِ فَهُنَّ إِليه شُوسُ
الإدلاج: سير الليل، وصف قوما سروا بالليل، والأسد يتبعهم لينتهز فرصة فيهم.
وقوله: بصير بالدجى: أي أنه بصير بالمشي في الليل، والهادي الدليل، والغموس: الواسع الفم من قولهم: طعنة غموس، إذا كانت واسعة الشق، ويقال: هو الذي ينغمس في الشدائد.
ويروى عموس بعين غير معجمة، وهو الذي يتعسف الأشياء كالجاهل يقال: فلان يتعامس في الأمور، أي يتجاهل، ويروى: هموس؛ وهو الذي لا يسمع لمشيه صوت.
والعتاق الإبل النجيبة، والشوس: المحدقة النظر.
وأنشد أبو القاسم في آخر الكتاب:
فما سُبق القيْسيُّ مِنْ سُوء سِيرَةٍ ... ولِكن طَفَتْ عَلْمَاء غُرْلَةُ خَالِدِ
هذا البيت: للفرزدق.