فَقلتُ للرّكبِ لَمَّا أن عَلاَ بِهمُ ... مِن عَن يَمينِ الحُبَيَّا نَظرَةٌ قَبَلُ

هذا البيت للقطامي، وقد ذكرنا اسمه وبعده:

ألمحةً من سَنَا بَرقٍ رأى بَصري ... أَم وَجهَ عاليةٍ اخْتالتْ به الكِلَلُ

يُهدِي لَناَ كلَّمَا كانت عَلاَوَتُنا ... ريحَ الخُزَامىَ جَرَى فيها الندَى الخضِل

الحُبَيَّا: موضع بالشام، وهو من الأسماء التي جاءت مُصغرة، ولا تكبير لها.

ومعنى نظرة قبل: أي نظرة لم يتقدمها نظر، يقال: رأيت الهلال قبلاً، أي لم يره أحد قبلي.

والركب جمع راكب، عند الأخفش، وهو عند سيبويه: اسم الجمع، وليس بجمع.

ويروى: علا بهم وعلت بهم: أي جعلتهم يعلون، ويستشرفون للنظر إلى عاليه، وهو بمنزلة قولهم: أعليتهم، لأن الباء والهمزة يتعاقبان على نقل الأفعال كقولك: ذهبت بهم، وأذهبتهم.

وسنا البرق ضوؤه.

ومعنى اختالت تبخترت، والكلل الستور، واحدتها كلة أراد أن وجه عالية: ظهر لهم من وراء الستر، فجعلوا ينظرون إليه عجباً.

ومن روى: بها رد الضمير إلى عالية.

ومن روى به رد الضمير على الوجه، وإذا أنث الضمير كانت الجملة في موضع الحال من عالية، وإذا ذكر: كانت حالاً من الوجه.

وكلما كانت علاوتنا أي: في مكان عال تصيبه الريح، يقال: قعد فلان على علاوة الريح، أي في موضع مشرف تصيبه الريح، وقعد في منقلبها، أي في موضع منخفض، لا تناله الريح.

والخضل: الكثير البلل، يقال أخضل الماء ثوبي، إذا بله.

وصير عن اسماً فأدخل عليها حرف الجر.

وفي هذا البيت شاهد على أن: عن اسم، وشاهد على أن على فعل.

وأنشد أبو القاسم في هذا البيت:

غَدَتْ منْ عليْهِ بعدَ ما تمَّ ظِمؤها ... تصل وَعنْ قَيضٍ ببيْدَاءَ مجْهلِ

هذا البيت: لِمُزاحِم بن الحارث العقيلي.

ومزاحم والحارث اسمان منقولان عن الصفات إلى العلمية، ويكنى الكبش إذا كان له قرنان عظيمان: أبا مزاحم، ويسمى الشقحطب وقبله:

أَذلِكَ أمْ كدْرَّية ظَلَّ فرْخها ... لَقًى بشرَوْرَى كاليتيم الْمعيَّل

أراد بالكدرية: قطاه في لونها كدورة، والقطا نوعان: كدري، وجوني، الكدري: أغبر اللون، والجوني: أسود اللون، وقد ذكره زهير في قوله:

جَونِية كحصاة القِسْم مَرتعُها ... بالسِّيِّ ما بِنبت القفعاءُ والحسَكُ

واللَّقى: المطروح الذي لا يلتفت إليه: وشرورى: موضع وشبهه في إنفراده، وسوء حاله باليتيم.

والمعيل الفقير.

قال الأصمعي: وإنما قال لقى بشر ورى لأن القطا لا تبض إلا في الأرض في مفاحص ونقر، ولا تعشش في الشجر.

وغدت من عليه بعد ما تم أراد: أنها أقامت مع فرخها حتى احتاجت إلى ورود الماء، وعطشت فطارت تطلب الماء عند تمام ظمئها.

والظمء: مدة صبرها عن الماء، وهو ما بين الشرب، إلى الشرب، ويروى بعد ما تم خمسها، وهو ورود الماء في كل خمسة أيام ولم يرد أنها تصبر عن الماء خمسة أيام؛ وإنما ذلك للإبل لا للطير ولكنه ضربه مثلا، هذا قول أبي حاتم، ولهذا كانت رواية من روى ظمؤها أحسن وأصح معنى.

وقال الأصمعي: قوله: من عليه؛ يريد من فوق الفرخ.

قال أبو عبيدة: ومعناه غدت من عند فرخها.

وقال يعقوب - في أبيات المعاني - بعد ما تم ظمؤها أي أنها كانت تشرب في كل ثلاثة أيام، أو أربعة مرة، فلما جاء ذلك الوقت طارت.

قال أبو حاتم: وقلت للأصمعي: كيف قال: غدت من عليه، والقطاة إنما تذهب إلى الماء ليلاً، لا غدوة؟ فقال: لم يرد الغدوة، وإنما هذا مثل للتعجيل، والعرب لقول: بكر إلي العشية ولا بكور هناك، وأنشد أبو زيد:

بكرت تلُو مسكَ بعدَ وْهن في النَّدى ... بَسلٌ عليك مَلاَمتي وعِتابي

وعلى هذا تناوله بيت النابغة الذبياني:

تحيدُ عن أَسْتَنٍ سودٌ أسَافِله ... مَشىَ الأمَاءِ الغَوادِي تحمِلُ الحزما

وقال أبو حاتم: ومعنى تصل تصوت أحشاؤها من العطش واليبس، والصليل: صوت الشيء اليابس، يقال: جاءت الإبل تصل عطشاً.

وقال غيره: أراد أنها تصوت في طيرانها.

والقيض: قشر البيض الأعلى.

ويروى بزيزاء مجهل بإضافة الزيزاء إلى المجهل، وبكسر الزاي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015