عند التأمل والنظر نجد علاقةً قويةً بين المعنى اللغوي والشرعي، فكلاهما يجعل العلم النافع، والعمل الصالح الصواب المحكم المتقن أصلًا من أصول الحكمة، وعلى هذا فيكون التعريف الجامع المانع للحكمة هو: " الإصابة في القول والعمل والاعتقاد ووضع كل شيء في موضعه بإحكام وإتقان ". والله أعلم.
وبهذا التعريف يتبين ويتضح أن الحكمة في الدعوة إلى الله لا تقتصر على الكلام اللين، أو الترغيب، أو الحلم، أو الرفق، أو العفو. . . بل هي إتقان الأمور وإحكامها بأن تنزل جميع الأمور منازلها، فيوضع القول الحكيم والتعليم والتربية في مواضعها، وتوضع الموعظة في موضعها، والمجادلة بالتي هي أحسن في موضعها، ومجادلة الظالم المعاند في موضعها، كما قال عزّ وجلّ: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] (?). وُيوضع الزجر، والقوة، والغلظة، والشدة، والسيف في مواضعها، وهذا هو عين الحكمة. وقد قال أحكم الحاكمين لسيد الحكماء والناس أجمعين: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] (?).
كل ذلك بإحكام وإتقان ومراعاة لأحوال المدعوين، والأزمان، والأماكن في مختلف العصور والبلدان، وبإحسان القصد والرغبة فيما عند الكريم المنان (?).