الموطأ، فنستطيع أن نقول أن مذهبه هو القبض لا الإرسال، والإرسال إنما هو مذهب بعض أتباعه كابن قاسم مثلا، وعلى فرض أن الإمام مالكا أرسل ولم يقبض، يقال: إن الحجة فيما رواه لا فيما رآه (وهذه قاعدة) تقال حتى في حق صحابي روى حديثا وعمل بخلافه.

وعلى كل فإن تصور البيجوري وضع الأئمة في غاية الغرابة وليس أغرب منه إلا قول الشطي أن التقليد سنة، وأن توحيد الأسماء والصفات بدعة كما تسمعون قريباً إن شاء الله.

وهذا المفهوم البيجوري هو الذي تمسك به بعض المثقفين من الأنصاف الذين لم يدرسوا الإسلام دراسة يفرقون بها بين السنة والبدعة وفي مقدمتهم مجموعة الشطي، وقد طغت هذه البدعة - التعصب المذهبي- التي سماها الشطي سنة في فترة من فترات التاريخ. بل في وقت قريب في عاصمة من عواصم المسلمين- دمشق- وفي مسجد عتيق من مساجدهم - المسجد الأموي-، حتى اتخذ فيه لكل مذهب مصلى يخصه على شكل محراب - على ما أخبرني بعض الثقات من أهل العلم- وإذا ما حان وقت صلاة من الصلوات الخمس تفرق الناس على هذه المحاريب الأربعة فيؤدي كل إمام مذهب الصلاح بأتباعه وأهل مذهبه في المحراب المخصص له.

قلت ولا تخلو الحال عقلا عند أدائهم الصلاة من الآتي:

(أ) أن يحضر أئمة المذاهب الأربعة معا في لحظة إقامة الصلاح فيشرعون في الصلاة معا، كل إمام في محرابه يصلي بقومه، ومعنا ذلك أن تقام صلاة الجماعة في وقت واحد في مسجد واحد في أماكن متعددة والمصلون كلهم على دين واحد.

(ب) أو أن يصل الأئمة الأربعة إلى المسجد متفرقين لا مجتمعين بأن يحضر - مثلا- إمام الحنابلة، أو الشافعية في أول وقت صلاة الفجر فيبادر فيصلي بقومه في أول الوقت ثم يصلي المالكي وأخرا يأتي الحنفي وقد انتشر ضوء الفجر ليجد قومه جلوسا ينتظرون إذ لا يجوز لهم أن يصلوا خلف حنبلي أو مالكي أو شافعي فيصلي بهم على مذهبه هذه هي القسمة العقلية.

وهنا يحق لي أن أقف وقفة أسأل القراء، لو أن رجلا أجنبيا (غير مسلم) يهودياً أو نصرانيا أو مجوسيا شاهد هذا الواقع الفوضوي ثم سئل عن انطباعاته فيا ترى ماذا يكون جوابه؟ في تصوري يكون جوابه –إن كان واعيا- أن يقول: هذه أربع ملل في داخل ملة واحدة وهي ملة الإسلام.

وبعد:

إن هذه المهزلة وهذا التمزق في صفوف المسلمين علما حساب التقليد، وهذه الصورة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015