الْعَزِيز وَالسّنَن المرويات وعَلى السّنَن مدَار أَكثر الْأَحْكَام الفقهيات فَإِن أَكثر الْآيَات الفروعيات مجملات وبيانها فِي السّنَن المحكمات وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَن من شَرط الْمُجْتَهد من القَاضِي والمفتي أَن يكون عَالما بالأحاديث الحكميات فَثَبت بِمَا ذكرنَا أَن الِاشْتِغَال بِالْحَدِيثِ من أجل الْعُلُوم الراجحات وَأفضل أَنْوَاع الْخَيْر وآكد القربات وَكَيف لَا يكون كَذَلِك وَهُوَ مُشْتَمل على مَا ذكرنَا من بَيَان حَال أفضل الْمَخْلُوقَات وَلَقَد كَانَ أَكثر اشْتِغَال الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ فِي الْأَعْصَار الخاليات حَتَّى لقد كَانَ يجمع فِي مجْلِس الحَدِيث من الطالبين أُلُوف متكاثرات فتناقض ذَلِك وضعفت الهمم فَلم تبْق إِلَّا آثَار من آثَارهم قليلات وَالله الْمُسْتَعَان على هَذِه الْمُصِيبَة وَغَيرهَا من البليات
وَقد جَاءَ فِي فضل إحْيَاء السّنَن المماتات أَحَادِيث كَثِيرَة معروفات مشهورات فَيَنْبَغِي الاعتناء بِعلم الحَدِيث والتحريص عَلَيْهِ لما ذكرنَا من الدلالات ولكونه أَيْضا من النَّصِيحَة لله تَعَالَى وَكتابه وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وللأئمة وللمسلمين وَالْمُسلمَات وَذَلِكَ هُوَ الدّين كَمَا صَحَّ عَن سيد البريات وَلَقَد أحسن الْقَائِل أَن من جمع أدوات الحَدِيث استنار قلبه واستخرج كنوزه الخفيات وَذَلِكَ لِكَثْرَة الْفَوَائِد البارزات الكامنات وهوجدير بذلك فَإِنَّهُ كَلَام أفْصح الْخلق وَمن أعْطى جَوَامِع الْكَلِمَات صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوَات متضاعفات
إعلم أَن الْهِنْد لم يكن بهَا علم الحَدِيث مُنْذُ فتحهَا أهل الْإِسْلَام بل كَانَ غَرِيبا كالكبريت الْأَحْمَر وعديما كعنقاء مغرب فِي الْخَبَر وَإِنَّمَا صناعَة أَهلهَا من قديم الْعَهْد وَالزَّمَان فنون الفلسفة وَحِكْمَة اليونان والإضراب عَن عُلُوم السّنة وَالْقُرْآن إِلَّا مَا يذكر من الْفِقْه على الْقلَّة وَلذَلِك تراهم إِلَى الْآن عارين عَن ذَلِك متحلين بِمَا هُنَاكَ وعمدة بضاعتهم الْيَوْم هِيَ الْفِقْه الْحَنَفِيّ على طَرِيق التَّقْلِيد دون التَّحْقِيق إِلَّا مَا شَاءَ الله تَعَالَى فِي أَفْرَاد مِنْهُم وَلأَجل هَذَا يتوارثه أَوَّلهمْ عَن آخِرهم ويتناقله كابرهم عَن كابرهم حَتَّى كثرت فيهم الْفَتَاوَى وَالرِّوَايَات وعمت الْبلوى بتعامل هَذِه التقليدات وَتركت النُّصُوص المحكمات وهجرت سنَن سيد البريات ورفض عرض الْفِقْه على الحَدِيث وتطبيق المجتهدات بالسنن ودرج على ذَلِك زمَان كثير حَتَّى من الله تَعَالَى على الْهِنْد بإفاضة هَذَا الْعلم على بعض علمائها كالشيخ عبد الْحق بن سيف الدّين التّرْك الدهلوي الْمُتَوفَّى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وأمثالهم وَهُوَ أول من جَاءَ بِهِ فِي هَذَا الإقليم وأفاضه على سكانه فِي أحسن تَقْوِيم ثمَّ تصدى لَهُ وَلَده الشَّيْخ نور الْحق الْمُتَوفَّى سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَكَذَلِكَ بعض تلامذته على الْقلَّة وَمن سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا كَمَا اتّفق عَلَيْهِ أهل الْملَّة وتحديث هَؤُلَاءِ أهل الصّلاح وَإِن كَانَ على طَرِيق الْفُقَهَاء المقلدة الصراح دون المخدثين المبرزين المتبعين الإقحاح وَلَكِن مَعَ ذَلِك لَا يَخْلُو عَن كثير فَائِدَة فِي الدّين وعظيم عَائِدَة بِالْمُسْلِمين جزاهم الله تَعَالَى عَن الْمُسلمين خير الْجَزَاء وأفاض عَلَيْهِم رَحمته السحاء
ثمَّ جَاءَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من بعدهمْ بالشيخ الْأَجَل والمحدث الْأَكْمَل نَاطِق هَذِه الدورة وحكيمها وفائق تِلْكَ الطَّبَقَة وزعيمها الشَّيْخ ولي الله بن عبد الرَّحِيم الدهلوي الْمُتَوفَّى سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة وَألف وَكَذَا بأولاده الأمجاد وَأَوْلَاد أَوْلَاده أولي الْإِرْشَاد المشمرين لنشر هَذَا الْعلم عَن سَاق الْجد وَالِاجْتِهَاد فَعَاد بهم علم الحَدِيث غضا طريا بَعْدَمَا كَانَ شَيْئا فريا وَقد نفع الله بهم وبعلومهم كثيرا من عباده الْمُؤمنِينَ وَنفى بسعيهم المشكور من فتن الْإِشْرَاك والبدع ومحدثات الْأُمُور فِي الدّين مَا لَيْسَ بخاف على أحد من الْعَالمين فَهَؤُلَاءِ الْكِرَام قد رجحوا علم السّنة على غَيرهَا من الْعُلُوم وَجعلُوا الْفِقْه كالتابع لَهُ والمحكوم وَجَاء تحديثهم حَيْثُ يرتضيه أهل الرِّوَايَة ويبغيه أَصْحَاب الدِّرَايَة شهِدت بذلك كتبهمْ وفتاواهم ونطقت بِهِ زبرهم ووصاياهم وَمن كَانَ يرتاب فِي ذَلِك فَليرْجع إِلَى مَا هُنَالك فعلى الْهِنْد وَأَهْلهَا شكرهم مَا دَامَت الْهِنْد وَأَهْلهَا شعر