الحسنه والسيئه (صفحة 132)

وأما في الملك، فلا يمكن أن يكون غيره مالكا لها، فلا يملك مخلوق الشفاعة بحال، ولا يتصور أن يكون نبي فمن دونه مالكا لها، بل هذا ممتنع، كما يمتنع أن يكون خالقاً وربا، وهذا كما قال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} فنفى الملك مطلقا، ثم قال: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23] ، فنفى نفع الشفاعة إلا لمن استثناه، لم يثبت أن مخلوقا يملك الشفاعة، بل هو سبحانه له الملك وله الحمد، لا شريك له في الملك، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 1، 2] .

ولهذا لما نفى الشفعاء من دونه نفاهم نفياً مطلقاً بغير استثناء، وإنما يقع الاستثناء إذا لم يقيدهم بأنهم من دونه، كما قال تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [الأنعام: 51] ، وكما قال تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [الأنعام: 70] ، وكما قال تعالى: {مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة: 4] ، فلما قال: {مِّن دُونِهِ} نفى الشفاعة مطلقاً، وإذا ذكر {بِإِذْنِهِ} لم يقل: " من دونه " كقوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، وقوله: {مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3] .

فمن تدبر القرآن تبين له أنه كما قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015