فَكُلُّ مَا هُوَ مَحَلٌّ لِلِاجْتِهَادِ فَلَا حِسْبَةَ فِيهِ (?)،وَعَبَّرَ صَاحِبُ الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ (?): أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ , أَوْ يَكُونَ مُدْرَكُ عَدَمِ التَّحْرِيمِ فِيهِ ضَعِيفًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ , أَوْ مِنْ. الْمُحَرَّمَاتِ الْمَشْهُورَةِ كَالزِّنَى , وَالْقَتْلِ , وَالسَّرِقَةِ , وَشُرْبِ الْخَمْرِ , وَقَطْعِ الطَّرِيقِ , وَالْغَصْبِ , وَالرِّبَا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَكُلُّ مُسْلِمٍ يَعْلَمُ بِهَا وَلَا يَخْتَصُّ الِاحْتِسَابُ بِفَرِيقٍ دُونَ فَرِيقٍ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي دَقَائِقِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ مِمَّا لَا يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ سِوَى الْعُلَمَاءِ , مِثْلُ فُرُوعِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ , وَهَذَا الضَّرْبُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي تَعَلُّقِ الْحِسْبَةِ فِيهِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَوَامِّ مَدْخَلٌ فِيهِ.
وَالثَّانِي: مَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالِاجْتِهَادِ , فَكُلُّ مَا هُوَ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ فَلَا حِسْبَةَ فِيهِ (?).
وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ (?)؛بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْخِلَافُ الَّذِي لَهُ دَلِيلٌ , أَمَّا مَا لَا دَلِيلَ لَهُ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَيُقَرِّرُ هَذَا الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ الْإِنْكَارَ إمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقَوْلِ وَالْفَتْوَى , أَوْ الْعَمَلِ.