إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا» (?)
وَنَوْعٌ مَحْمُودٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَصَالِحِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظُّنُونِ الْمَضْبُوطَةِ بِالضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهَذَا النَّوْعِ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ مَصَالِحَ كَثِيرَةٍ غَالِبَةٍ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ مَفَاسِدَ قَلِيلَةٍ نَادِرَةٍ (?) وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ حِكْمَةِ الْإِلَهِ الَّذِي شَرَعَ الشَّرَائِعَ لِأَجْلِهَا (?) وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ فِي مِثْلِ الْحَالَاتِ الْآتِيَةِ (?):
الْأُولَى: لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَسْلُبَ ثِيَابَ إنْسَانٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الْمَسْلُوبِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ رَأَى رَجُلًا يَجُرُّ امْرَأَةً إلَى مَنْزِلِهِ يَزْعُمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ , فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَقْتُلُ إنْسَانًا يَزْعُمُ أَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ دَخَلَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ , لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ , لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ , وَالدَّارُ دَالَّةٌ عَلَى إسْلَامِ أَهْلِهَا لِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا.
فَفِي هَذِهِ الْحَالَاتِ وَأَمْثَالِهَا يُعْمَلُ بِالظُّنُونِ، فَإِنْ أَصَابَ مَنْ قَامَ بِهَا فَقَدْ أَدَّى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنْ لَمْ يُصِبْ كَانَ مَعْذُورًا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ.
وَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَطُوفَ فِي السُّوقِ وَأَنْ يَتَفَحَّصَ أَحْوَالَ أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ أَحَدٌ بِخِيَانَتِهِمْ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّجَسُّسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ بَلْ هُوَ مِنْ صَمِيمِ عَمَلِهِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْغَلَهُ عَنْهُ شَاغِلٌ كَمَا سَبَقَ فِي بَحْثِ آدَابِ الْمُحْتَسِبِ (?).
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مَعْلُومًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ (?) ,