وَأَنْ يَتَّخِذَ أَعْوَانًا يَسْتَعِينُ بِهِمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ , وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعِفَّةُ وَالصِّيَانَةُ , وَيُؤَدِّبُهُمْ وَيُهَذِّبُهُمْ , وَيُعَرِّفُهُمْ كَيْفَ يَتَصَرَّفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ , وَكَيْفَ يَخْرُجُونَ فِي طَلَبِ الْغُرَمَاءِ , وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِعَمَلٍ إلَّا بَعْدَ مَشُورَتِهِ. وَأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ فِي السِّرِّ إنْ اسْتَطَاعَ , لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالنَّصِيحَةِ , فَإِنْ لَمْ تَنْفَعْهُ الْمَوْعِظَةُ فِي السِّرِّ أَمَرَهُ بِالْعَلَانِيَةِ , وَقَدْ أَوْصَى بَعْضُ الْوُزَرَاءِ الصَّالِحِينَ بَعْضَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ (?): " اجْتَهِدْ أَنْ تَسْتُرَ الْعُصَاةَ فَإِنَّ ظُهُورَ مَعَاصِيهِمْ عَيْبٌ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ ".
وَأَنْ يَقْصِدَ مِنْ حِسْبَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازَ دِينِهِ , وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَسِبُ عَالِمًا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ , وَأَنْ يَتَحَلَّى بِالرِّفْقِ وَاللِّينِ وَالشَّفَقَةِ , وَلَا يَقْصِدَ إلَّا الْإِصْلَاحَ وَلَا يَخْشَى فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ , وَتَكُونُ عُقُوبَتُهُ مُنَاسِبَةً مَعَ جُرْمِ كُلِّ إنْسَانٍ وَحَالِهِ , وَمَا يَلِيقُ بِهِ , وَيَكُونُ مُتَأَنِّيًا غَيْرَ مُبَادِرٍ إلَى الْعُقُوبَةِ , وَلَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ يَصْدُرُ مِنْهُ , وَلَا يُعَاقِبُ بِأَوَّلِ زِلَّةٍ تَبْدُو , وَإِذَا عَثَرَ عَلَى مَنْ نَقَصَ الْمِكْيَالَ أَوْ بَخَسَ الْمِيزَانَ أَوْ غَشَّ بِضَاعَةً أَوْ صِنَاعَةً اسْتَتَابَهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ , وَوَعَظَهُ وَخَوَّفَهُ وَأَنْذَرَهُ الْعُقُوبَةَ وَالتَّعْزِيرَ , فَإِنْ عَادَ إلَى فِعْلِهِ عَزَّرَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ التَّعْزِيرِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ (?).
وَمِنْ آكَدِ وَأَلْزَمْ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُحْتَسِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَحَلِّيًا بِالْعِلْمِ وَالرِّفْقِ وَالصَّبْرِ , الْعِلْمُ قَبْلَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ , وَالرِّفْقُ مَعَهُ , وَالصَّبْرُ بَعْدَهُ فَإِذَا جَمَعَ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بُعْدَ النَّظَرِ مَعَ الْفَطِنَةِ وَالصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالصَّرَامَةِ فِي الْحَقِّ وَأَحْكَمَ أُمُورَهُ وَتَحَرَّى الْإِصَابَةَ فِيهَا فَإِنَّهُ حَرِيٌّ أَنْ تُثْمِرَ هَذِهِ الْوِلَايَةُ أَطْيَبَ الثِّمَارِ , وَتُحَقِّقَ الْغَايَةَ الْمَرْجُوَّةَ مِنْهَا (?).
عَزْلُ الْمُحْتَسِبِ (?):
20 - أَجْمَلَ الْمَاوَرْدِيُّ أَسْبَابَ الْعَزْلِ مِنْ الْوِلَايَةِ فِي عِدَّةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا الْخِيَانَةُ , وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ الْعَجْزُ وَالْقُصُورُ , وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ اخْتِلَالَ الْعَمَلِ مِنْ عَسْفٍ وَجَوْرٍ , أَوْ ضَعْفٍ وَقِلَّةِ هَيْبَةٍ , وَالْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ وُجُودُ مَنْ هُوَ أَكْفَأُ مِنْهُ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ مَعَالِمِ الْقُرْبَةِ (?) أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْمُحْتَسِبَ أَمْرٌ وَتَرَكَهُ أَثِمَ , وَإِنْ تَكَرَّرَ شَكْوَى ذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يَأْخُذْ لَهُ بِحَقِّهِ سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ شَرْعًا , أَوْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْحِسْبَةِ وَسَقَطَتْ مُرُوءَتُهُ وَعَدَالَتُهُ , وَلَا يَبْقَى مُحْتَسِبًا شَرْعًا , وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ يَرْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ , وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ إدْرَارُ رِزْقِهِ الَّذِي يَكْفِيهِ وَتَعْجِيلُهُ , وَبَسْطُ يَدِهِ , وَتَرْكُ مُعَارَضَتِهِ , وَرَدُّ الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ مِنْ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ.