وَلِهَذَا اشْتَرَطَهَا فِي وَالِي الْحِسْبَةِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (?) وَأَغْفَلَ اشْتِرَاطَهَا الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ بَسَّامٍ (?) وَأَدَارَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ حُكْمَهَا كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ , وَابْنِ تَيْمِيَّةَ عَلَى رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ , وَرَفْعِ الْمَشَقَّةِ , وَأَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَاعِدَةً عَامَّةً فِي تَعَذُّرِ الْعَدَالَةِ فِي الْوِلَايَاتِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَامَّةً أَمْ خَاصَّةً بِتَوْلِيَةِ أَقَلِّهِمْ فُسُوقًا (?).

وَلِابْنِ تَيْمِيَّةَ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ خُلَاصَتُهُ: أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ الْأَصْلَحُ الْمَوْجُودُ وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي مَوْجُودِهِ مَنْ هُوَ صَالِحٌ لِتِلْكَ الْوِلَايَةِ فَيُخْتَارُ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فِي كُلِّ مَنْصِبٍ بِحَسَبِهِ (?) ... .

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الْقُدْرَةُ:

15 - قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (?): وَأَمَّا الْقُدْرَةُ فَهِيَ أَصْلٌ وَتَكُونُ مِنْهُ فِي النَّفْسِ , وَتَكُونُ فِي الْبَدَنِ إنْ احْتَاجَ إلَى النَّهْيِ عَنْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الضَّرْبَ , أَوْ الْقَتْلَ مِنْ تَغْيِيرِهِ , فَإِنْ رَجَا زَوَالَهُ جَازَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الِاقْتِحَامُ عِنْدَ هَذَا الْغَرَرِ , وَإِنْ لَمْ يَرْجُ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: إنَّ النِّيَّةَ إذَا خَلَصَتْ فَلْيَقْتَحِمْ كَيْفَمَا كَانَ وَلَا يُبَالِي. وَعِنْدَهُ أَنَّ تَخْلِيصَ الْآدَمِيِّ أَوْجَبُ مِنْ تَخْلِيصِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ تَفْصِيلٌ فِيمَا تَسْقُطُ بِهِ الْحِسْبَةُ وُجُوبًا غَيْرِ الْعَجْزِ الْحِسِّيِّ , وَهُوَ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الِاحْتِسَابِ مَكْرُوهٌ , أَوْ يَعْلَمَ أَنَّ احْتِسَابَهُ لَا يُفِيدُ , وَعِنْدَهُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ ضِدُّ الْمَطْلُوبِ , وَمُطَالَبُ الْإِنْسَانِ تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: هِيَ الْعِلْمُ وَالصِّحَّةُ , وَالثَّرْوَةُ , وَالْجَاهُ , وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَطْلُبُهَا الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَلِأَقَارِبِهِ الْمُخْتَصِّينَ بِهِ , وَالْمَكْرُوهُ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: زَوَالُ مَا هُوَ حَاصِلٌ مَوْجُودًا. وَالْآخَرُ امْتِنَاعُ مَا هُوَ مُنْتَظَرٌ مَفْقُودٌ , ثُمَّ يَسْتَطْرِدُ فِي بَيَانِ مَا يُعَدُّ مُؤَثِّرًا فِي إسْقَاطِ الْحِسْبَةِ وَمَا لَا يُعَدُّ مِنْهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ (?)، وَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ فِي الِاحْتِسَابِ , كَمَا أَنَّهَا شَرْطٌ فِي جَمِيعِ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ , وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ بِأَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ مِنْ الْأَئِمَّةِ , وَالْوُلَاةِ , وَالْقُضَاةِ , وَسَائِرِ الْحُكَّامِ , فَإِنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ بِعُلُوِّ الْيَدِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ , وَوُجُوبِ الطَّاعَةِ , وَانْبِسَاطِ الْوِلَايَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (41) سورة الحج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015