5 - الشَّهَادَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ هِيَ إخْبَارُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ إخْبَارًا نَاشِئًا عَنْ عِلْمٍ لَا عَنْ ظَنٍّ أَوْ شَكٍّ , وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ بِمَا حَصَلَ فِيهِ التَّرَافُعُ وَقُصِدَ بِهِ الْقَضَاءُ وَبَتُّ الْحُكْمِ (?).
وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} [سورة البقرة، الآية:282]، وَلَهَا حَالَتَانِ حَالَةُ تَحَمُّلٍ وَحَالَةٌ أَدَاءً , وَحُكْمُ تَحَمُّلِهَا الْوُجُوبُ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ الْكِفَائِيِّ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ , وَإِلَّا تَعَيَّنَ لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ .. } [سورة الطلاق، الآية:2].
وَأَمَّا الْأَدَاءُ فَفَرْضُ عَيْنٍ لقوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} [سورة البقرة، الآية:282].
وَيَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى أَدَائِهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي يُسْتَدَامُ فِيهَا التَّحْرِيمُ حِسْبَةً. أَمَّا مَا لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالْحُدُودِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَنْ يَسْتُرَ , لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ (?) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « .. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .. » (?).
وَقَدْ نَدَبَهُ الشَّارِعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ اخْتَارَ جِهَةَ الْحِسْبَةِ فَأَقَامَهَا لِلَّهِ تَعَالَى , وَإِنْ شَاءَ اخْتَارَ جِهَةَ السَّتْرِ فَيَسْتُرُ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ. فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ مَرْتَبَةً مِنْ مَرَاتِبِ الْحِسْبَةِ , وَوَسِيلَةً مِنْ وَسَائِلِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْحِسْبَةِ (?):
6 - شُرِعَتْ الْحِسْبَةُ طَرِيقًا لِلْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّوْجِيهِ إلَى مَا فِيهِ الْخَيْرُ وَمَنْعُ الضَّرَرِ. وَقَدْ حَبَّبَ اللَّهُ إلَى عِبَادِهِ الْخَيْرَ وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَدْعُوَا إلَيْهِ , وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ الْمُنْكَرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ (?) , كَمَا أَمَرَهُمْ بِمَنْعِ غَيْرِهِمْ مِنْ اقْتِرَافِهِ , وَأَمَرَهُمْ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى , فَقَالَ تَعَالَى: {.وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة المائدة، الآية:2]، وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أَمَةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ