وَالثَّانِي: جَوَازُ التَّعَرُّضِ فِيهِمَا لِأَسْبَابِ الْمَصَالِحِ , وَالتَّطَلُّعِ إلَى إنْكَارِ الْعُدْوَانِ الظَّاهِرِ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّظَرَ فِي الْمَظَالِمِ مَوْضُوعٌ لِمَا عَجَزَ عَنْهُ الْقُضَاةُ , وَالنَّظَرَ فِي الْحِسْبَةِ مَوْضُوعٌ لِمَا رَفُهَ عَنْهُ الْقُضَاةُ , وَلِذَلِكَ كَانَتْ رُتْبَةُ الْمَظَالِمِ أَعْلَى وَرُتْبَةُ الْحِسْبَةِ أَخْفَضُ , وَجَازَ لِوَالِي الْمَظَالِمِ أَنْ يُوقِعَ إلَى الْقُضَاةِ وَالْمُحْتَسِبِ , وَلَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي أَنْ يُوقِعَ إلَى وَالِي الْمَظَالِمِ , وَجَازَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ إلَى الْمُحْتَسِبِ , وَلَمْ يَجُزْ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُوقِعَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَالِي الْمَظَالِمِ أَنْ يَحْكُمَ , وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُحْتَسِبِ.
ثَالِثًا: الْإِفْتَاءُ (?):
4 - الْإِفْتَاءُ تَبْلِيغٌ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَالْمُفْتِي هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ دَرَكِ أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ عَلَى يُسْرٍ مِنْ غَيْرِ مُعَانَاةِ تَعَلُّمٍ , وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُفْتِي فَتْوَى مَنْ اسْتَفْتَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُفْتٍ سِوَاهُ (?) لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [سورة البقرة، الآية:159]،وَقَالَ قَتَادَةَ فِي قوله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [سورة آل عمران، الآية:187]،هَذَا مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ , فَمَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيُعَلِّمْهُ , وَإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ فَإِنَّهَا هَلَكَةٌ , وَلَا يَتَكَلَّفَنَّ الرَّجُلُ مَا لَا يَعْلَمُ فَيَخْرُجُ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَيَكُونُ مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ (?). وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (?).
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَيْنَ الْإِفْتَاءِ وَبَيْنَ الْحِسْبَةِ مَعْنًى جَامِعٌ هُوَ التَّبْلِيغُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَالْكَشْفُ عَنْ الْحَقِّ , وَإِرْشَادُ الْمُسْتَعْلِمِ الْجَاهِلِ , فَالْإِفْتَاءُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْحِسْبَةِ وَدُونَهَا فِي وَسَائِلِ الْكَشْفِ وَالْإِبَانَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى التَّعْرِيفُ بِالْحُكْمِ وَالِاحْتِسَابُ يَكُونُ التَّعْرِيفُ أَوْلَى مَرَاتِبِهِ.
رَابِعًا: الشَّهَادَةُ (?):