كيف يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا، ولا يجبرون على التسعير، ولكن عن رضا. قال: وعلى هذا أجازه من أجازه. قال أبو الوليد: ووجه ذلك أنه بهذا يتوصل إلى معرفة مصالح الباعة والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعر عليهم من غير رضا بما لا ربح لهم فيه أدى ذلك إلى فساد الأسعار وإخفاء الأقوات وإتلاف الناس1. قلت: فهذا الذي تنازع فيه العلماء.

وأما إذا امتنع الناس من بيع ما يجب عليهم بيعه فهنا يؤمرون بالواجب ويعاقبون على تركه، وكذلك من وجب عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع أن يبيع إلا بأكثر منه: فهنا يؤمر بما يجب عليه ويعاقب على تركه بلا ريب. ومن منع التسعير مطلقًا محتجًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال" 2.

فقد غلط فإن هذه قضية معينة ليست لفظًا عامًا، وليس فيها أن أحدًا امتنع من بيع يجب عليه أو عمل يجب عليه، أو طلب في ذلك أكثر من عوض المثل. ومعلوم أن الشيء إذا رغب الناس في المزايدة فيه، فإذا كان صاحبه قد بذله كما جرت به العادة ولكن الناس تزايدوا فيه فهنا لا يسعر عليهم، والمدينة كما ذكرنا إنما كان الطعام الذي يباع فيها غالبًا من الجلب، وقد يباع فيها شيء يزرع فيها، وإنما كان يزرع فيها الشعير، فلم يكن البائعون ولا المشترون ناسًا معينين، ولم يكن هناك أحد يحتاج الناس إلى عينه أو إلى ماله، ليجبر على عمل أو على بيع، بل المسلمون كلهم من جنس واحد، كلهم يجاهد في سبيل الله، ولم يكن من المسلمين البالغين القادرين على الجهاد إلا من يخرج في الغزو، وكل منهم يغزو بنفسه وماله، أو بما يعطاه من الصدقات أو الفيء، أو ما يجهزه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015