وروى الإمام البيهقي عن لقمان -يعني: ابن عامر- قال: كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رءوس الخلائق، فيقول لي: يا عويمر. فأقول: لبيك ربي فيقول: ما عملت فيما علمت؟ ".
وقال الإمام الحسن البصري -رحمه الله-: "إذا كنت آمرًا بالمعروف، فكن من آخذ الناس به، وإلا هلكت، وإذا كنت ممن ينهى عن المنكر، فكن من أنكر الناس له، وإلا هلكت".
قال ابن النحاس -رحمه الله- في (تنبيه الغافلين): "والأحاديث والآثار في ذم علماء السوء، وتوبيخ من لم يعمل بعلمه، ومن خالف قوله عمله كثيرة جدًا، وهي ناطقة بأن من أمر بما لا يفعل أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، وأن العلماء الفجرة هم الأخسرون إذ ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وأن حجتهم داحضة عند ربهم؛ لما وهبهم من علمه نعمة منه عليهم، فكفروا نعمته، وخالفوا أمره، ولا يخفى عن ذي لب أن ملكًا من الملوك لو أرسل كتابه بأمر من الأمور إلى عبد من عبيده لا يعرف الكتابة، وليس عنده من يعرفه بما فيه فخالف أمره، لا يكون ذنبه عنده كمن أمكنه أن يقرأه، أو يسأل من يقرؤه؛ ليعرف ما فيه فيمتثله، فترك ذلك، وخالف ما فيه جاهلًا به، ولا يكون جرم هذا كجرم من قرأه، وفهمه، وكرر قراءته غير مرة، ثم خالف ما أمره به سيده ومولاه، وعمل بعكسه، لا جرم كان هذا العبد عنده أحق العبيد بأليم عذابه، وأولاهم بعظيم سخطه، وأقربهم إلى إبعاده وطرده؛ ولهذا جعل الله تعالى المنافقين في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم جحدوا بعد العلم، وتأمل قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة: 204، 205).