وقال -عز وجل-: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف: 175، 176) فشبه الله تعالى من علمه العلم، فترك العمل به بالكلب.
قال الإمام ابن القيم: "فشبه -سبحانه وتعالى- من آتاه كتابه، وعلمه العلم الذي منعه غيره، فترك العمل به، واتبع هواه، وآثر سخط الله تعالى على رضاه، ودنياه على آخرته، والمخلوق على الخالق، شبهه بالكلب الذي هو من أخبث الحيوانات، وأوضعها قدرًا، وأخسها نفسًا، وهمته لا تتعدى بطنه، وأشدها شرا وحرصًا".
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2، 3)، فأنكر -عز وجل- على أهل الإيمان أن يقولوا ما لا يفعلونه، وبين -سبحانه وتعالى- أن هذا سبب غضبه الشديد، ومقته الكبير.
قال الإمام الشوكاني في تفسيره: " {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ، أي: لم تقولون من الخير ما لا تفعلونه؟ ".
وقال القاضي البيضاوي في تفسيره: " {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} المقت: أشد البغض، ونصبه على التمييز؛ للدلالة على أن قولهم هذا مقت خالص، كبر عند من يحقر عنده كل عظيم؛ مبالغة في المنع عنه".
ومما يجب التنبه له في هاتين الآيتين الكريمتين: أن الله -عز وجل- ناداهم بوصف الإيمان؛ ولعل ذلك كان تعريضًا بأن الإيمان من شأنه أن يزع المؤمن عن مخالفة فعله قوله، والله تعالى أعلم.