والعلم يراد للعمل، كما العمل يراد للنجاة، فإذا كان العمل قاصرًا عن العلم، كان العلم كَلًا على العالم، ونعوذ بالله من علم عاد كلًّا، وأورث ذلًّا، وصار في رقبة صاحبه غِلًّا.

قال بعض الحكماء: العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل، ولأن أدع الحق جهلًا به أحب إلي من أن أدعه زهدًا فيه.

وقال سهل بن مزاحم: الأمر أضيق على العالم من عقد التسعين، مع أن الجاهل لا يعذر بجهالته، لكن العالم أشد عذابًا إذا ترك ما علم فلم يعمل به.

قال الشيخ -رحمه الله-: وهل أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا؟ وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضا بالميسور، وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟ وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب؟ وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟ وهل المغرم بحبها إلا ككانزهما؟

وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها، كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها، وراعى واجباتها، فلينظر امرؤ لنفسه، وليغتنم وقته، فإن الثواء قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والناقد بصير، والله تعالى بالمرصاد، وإليه المرجع والمعاد {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 7، 8) ".

والأدلة على ضرورة العمل بالعلم كثيرة جدًّا، ومما يدل على أهمية العمل بالعلم، وتأثير سلوك المحتسب في حسبته على الناس أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015