كل يوم ومعه درته، فاعترضه الرجلان فضربه أحدهما على دماغه.
وكان -رضي الله عنه- يمشي في السوق ومعه درته يأمر الناس بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، روى ابن سعد في طبقاته عن الحر بن جرموز عن أبيه قال: "رأيت عليًّا -رضي الله عنه- وهو يخرج من القصر إلى السوق وعليه قطريتان، إزار إلى نصف الساق ورداء مشمر قريب منه، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ويقول: لا تنفخوا اللحم".
وكان -رضي الله عنه- يستمر بالخروج إلى الأسواق وحده وهو خليفة المسلمين يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالباعة والبقالين، ويفتح عليه القرآن، ويقرأ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص: 83).
ومن صور احتسابه -رضي الله عنه-: أنه كان يلاحق أهل الشر والفساد، فإذا ما ظفر بأحد منهم حبسه، روى القاضي أبو يوسف عن عبد الملك بن عمير قال كان علي -رضي الله عنه- إذا وجد في القبيلة أو القوم الرجل الداعر حبسه، فإذا كان له مال أنفق عليه من ماله، وإن لم يكن له مال أنفق من بيت مال المسلمين، وقال: يحبس عنهم شره وينفق عليه من بيت مالهم.
وبوقوفنا على هذه الصور الحسبية في عهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- نأتي على كل ما يتعلق بالحسبة في هذه الحقبة من تاريخ الإسلام، ويتبين لنا ما أكدناه مرارًا في هذا الدرس أن الحسبة نظام إسلامي أصيل ظهر مع أول آية نزلت من القرآن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وباشر النبي -صلى الله عليه وسل م- الحسبة بنفسه، وصار على سنته خلفاؤه الراشدون الأربعة، ثم استمر العمل بهذه الحسبة في العصور الإسلامية الأخرى.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.