العظيم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن الواقع التشريعي لعمل المحتسب يبين أن الحسبة نظام إسلامي يطبق وينفذ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعلى هذا يكون ما ذهب إليه الفريق الثاني هو الصحيح، وأن الشواهد من الكتاب والسنة والسيرة تُبين لنا أن الرسول -صلى الله عليه وسل م- كان يحتسب بنفسه، وما قصته مع صاحب الطعام المبلول في السوق إلا شاهد على ذلك، وكذلك أقواله وأفعاله الأخرى مع أهل البيع والشراء، وكذلك خلفاؤه من بعده؛ لا سيما الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي يعتبره البعض المؤصل أو المنظر الحقيقي لهذا النظام، فقد ولى عبد الله بن عقبة النظر في الأسواق والتفتيش على المكاييل والموازين، وقد كان الخلفاء والولاة في الصدر الأول يباشرون أعمالها بأنفسهم، كما أشرنا من قبل، يبتغون إصلاح الرعية ويرجون جزيل الثواب.

إذا عرفنا هذا فإن بعض الكتاب قد شذَّ وأصاب الشطط عندما زعم أن الحسبة ذات أصول بيزنطينية رومانية، وأن المسلمين لما فتحوا البلاد التي كان يحكمها الرومان البيزنطيون وجدوا هذا النظام يُطبق في تلك البلاد، لا سيما في الشام؛ فتأثروا به واستمروا في تطبيقه. فهذا النظام في تلك المدن البيزنطية كان على أساس أن شئون السوق خاضعة لتدخل الدولة، التي أوجدت موظفين مختصين للإشراف على أهل الحرف والمهنيين، وممن تحمس لهذا الرأي كاتب لبناني يُدعى نقولا زيادة في كتابه (الحسبة والمحتسب) حيث يقول: "وكانت مثل هذه التنظيمات قد انتشرت في الشرق الأدنى، واستمرت طيلة العهد البيزنطي حتى الفتح العربي -يقصد الإسلامي- فلما جاء العرب اقتبسوها دون تبديل أو تغيير، وذلك لأنه لم يكن لهم ما يمكن أن يقدموه بديلًا عنها".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015