يصلح، وما يقدر عليه، وما لا
در عليه, ثم أطال الكلام -رحمه الله- في هذا، وأجمله القاضي عياض في (إكمال المعلم بفوائد مسلم) فقال -رحمه الله- في تفسير الحديث الذي هو عمدة هذا الدرس: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)).
قال القاضي عياض -رحمه الله-: "الحديث أصل في صفة تغيير منكر، وعلم على العلم في عمله، فمن حق المغير أولًا أن يكون عالمًا بما يغيره، عارفًا بالمنكر من غيره، فقيهًا بصفة التغيير ودرجاته، فيغيره بكل وجه أمكنه زواله به، وغلبت على ظنه منفعة تغييره بمنزعه ذلك من فعل أو قول، فيكسر آلات الباطل، ويريق ظروف المسكر بنفسه، أو يأمر بقوله من يتولى ذلك، وينزع المغصوب من أيدي المعتديين بيده، أو يأمر بأخذها منهم، ويمكِّن منها أربابها، كل هذا إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل أو بالعزة الظالم المخوف شره؛ إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، وامتثال أمره، وأسمع لوعظه وتخويفه، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الفضل والصلاح لهذا المعنى، ويغلظ على المغتر منهم في غيِّه، والمسرف في بطالته, إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرًا أشد مما غير، أو كان جانبه محميَّا عن سطوة الظالم، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرًا أشد من قتله، أو قتل غيره بسببه؛ كف يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف، فإن خاف أيضًا أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله، وإن وجد من يستعين به على ذلك استعانة ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره، أو يقتصر على تغييره بقلبه".
هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين، خلافًا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال، وإن قُتل ونِيل منه كل أذى.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.