ونذكر على سبيل المثال شيئًا من أخبارهم وجهادهم في سبيل الله، فقد جاء في كتب السيرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن رجع إلى المدينة ومعه المسلمون بعد معركة أُحد جاءه الخبر أن أبا سفيان ومن معه من المشركين عزموا على الرجوع إلى المدينة؛ لاستئصال من بقي من المسلمين، فلما صلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصبح أمر بلالًا فنادى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال أمس، فخرج سعد بن معاذ إلى داره يأمر قومه بالمسير، وكلهم جريح فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمركم أن تطلبوا عدوكم، فقال أسيد بن حضير، وبه سبع جراحات يريد أن يداويها: سمعًا وطاعة لله ورسوله، وأخذ سلاحه، ولم يلتفت إلى دوائه، ولحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وجاء سعد بن عبادة قومه وجاء أبو قتادة إلى طائفة، فبادروا جميعًا، وخرج من بني سلمة أربعون جريحًا بالطفيل بن نعمان ثلاثة عشر جرحًا، وفي الحارثة عشرة جراحات حتى وافوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لما رآهم: ((اللهم ارحم بني سلمة)).
وسمع أخوان شقيقان دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للخروج وكانا جريحين، وكان أحدهما أخف من الآخر، فقال أحدهما لأخيه: أن اقعدوا عن الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا والله فخرجا، فكان أخفهما جرحًا يحمل أشدهما جرحًا حينًا ويمشي حينًا حتى خرجا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فهذا نموذج من جهادهم -رضي الله عنهم- في سبيل إعلاء كلمة الله، فهل يستكثر المسلم إذا أتعب نفسه قليلا في الدعوة إلى الله -عز وجل- ونشر محاسن الإسلام، وتعليم الناس مكارم الأخلاق؟ ألا يستحيي من نفسه إذا استكثر الجهد البسيط الذي يبذله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرجون جرحى للقتال وهم يقولون: سمعًا وطاعة لله ولرسوله.