فقال النوري -رحمة الله عليه-: هذه خمر؟ قال: نعم، قال: أحب أن تعطيني ذلك المدرى، فاغتاظ الملاح عليه، وقال لغلامه: أعطه حتى أنظر الذي يصنع، فلما صارت في يده صعد إلى الزورق، فلم يزل يكسرها دنًّا دنًّا حتى أتى على آخرها إلا دنًّا واحدًا، والملاح يستغيث إلى أن ركب صاحب الخمر، وهو يومئذ موسى بن أفلح، فقبض على النوري، واستحضره إلى حضرة المعتضد، وكان المعتضد سيفه قبل كلامه، ولم يشك الناس أنه سيقتله، قال الشيخ أبو الحسن: فدخلت عليه وهو جالس على كرسي حديد، وبيده عامود يقلبه، فلما رآني قال: من أنت؟ قلت: محتسب، قال: من ولاك الحسبة؟ قلت: الذي ولاك الإمامة ولاني الحسبة يا أمير المؤمنين؛ قال: فأطرق إلى الأرض ساعة، ثم رفع رأسه إلي وقال: ما الذي حملك على ما صنعت؟ فقلت: شفقة مني عليك إذ بسطت يدي إلى صرف مكروه عنك فقصرت عنه، قال: فأطرق المعتضد مفكرًا في كلامه، ثم رفع رأسه وقال: كيف تخلص هذا الدن الواحد من بين جملة هذه الدنان؟ فقلت له: في تخليصه علة أخبر بها أمير المؤمنين إن أذن لي.

فقال: أخبرني، فقلت: يا أمير المؤمنين إني قدمت على الدنان بمطالبة الحق -سبحانه وتعالى- بذلك، وعم قلبي شاهد الإخلاص الحق وخوف المطالبة، فغابت هيبة الخلق عني، فأقدمت عليه بالحال الأول إلى أن صرت إلى هذا الدن فجزعت نفسي كثيرًا على أني قد أقدمت على مثلك فمنعت نفسي، ولو أقدمت عليه في الحال الأول ولو كانت ملء الدنيا دنانًا لكسرتها ولم أبال.

قال الشيخ أبو الحسن النوري -رحمة الله عليه-: فقال لي أمير المؤمنين المعتضد بأمر الله: اذهب فقد أطلقنا يدك غيِّر ما أحببت أن تغيره من المنكر، قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين أبغض التغيير لأني كنت أغير عن الله، وأنا الآن أغير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015