الملك، أو رئيس الدولة أي: صاحب الولاية العامة أيًّا كانت تسميته، وطبيعي أن الذي سيقوم بهذه الولاية على الناس بشر مثلهم يصيب ويخطئ، ويحتاج لما يحتاجون إليه، ويأتي في مقدمة ما يحتاجه المتولي لأمور الناس في ولايته النصيحة حتى تستقيم أموره على العدل".
ولهذا نجد الكثير من النصوص الشرعية التي تحث على تقديم النصح والمشورة، وإقامة صرح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين المسلمين حكامًا ومحكومين، والتي تشكل النصيحة جزءًا من هذا المبدأ الإسلامي العظيم، ومن هذه النصوص التي تحث على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)).
ولو رجعنا وتفحصنا الأمر لوجدنا أن الحاكم المسلم الذي يخاف الله ويطبق شرعه لا ينتظر حتى تبذل له النصيحة مع احتمال أنها لا تبذل من كثير من الناس لخوف، أو مداهنة، أو لضعف في النفوس يهون من أمر النصيحة وبذلها، بل يذهب هو ويعمل على الحصول عليها من أهلها، وهذا ما سار عليه الخلفاء الراشدون، ومن نهج نهجهم ممن جاء بعدهم، بل ويجعلها مثل ذلك الحاكم معيارًا لتقويمه.
فهذا الصديق أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- يقول في أول خطبة له بعد تولية الخلافة: "أما بعد؛ فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم؛ فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، وأطيعوني ما أطعت الله ورسوله؛ فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". فهو يأمر الناس بتقويمه والاحتساب عليه في قوله: "أيها الناس إني متبع ولست بمبتدع؛ فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني".
وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقوم خطيبًا فيقول: "رحم الله امرأ أهدى إلينا مساوئنا".