هذه الآية فقال: ((بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرًا لا يدان لك به، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائك أيامًا الصبر فيهن على مثل قبض على الجمر، للعامل فيهن كأجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله)).

فيأتي بالأمر والنهي معتقدًا أنه مطيع في ذلك لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو معتد في حدوده كما انتصب كثير من أهل البدع والأهواء، كالخوارج، والمعتزلة، والرافضة، وغيرهم ممن غلط فيما أتاهم من الأمر، والنهي، والجهاد على ذلك، وكان فساده أعظم من صلاحه. ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على جور الأئمة، ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة، وقال: ((أدوا إليهم حقوقهم وسلوا الله حقوقكم)).

ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة، وترك قتال الأئمة، وترك القتال في الفتنة، وأما أهل الأهواء كالمعتزلة فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم، ويجعل المعتزل أصول دينهم خمسة: التوحيد الذي هو سلب الصفات، والعدل الذي هو التكذيب بالقدر، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي منه قتال الأئمة".

قال -رحمه الله-: "وقد تكلمت على قتال الأئمة في غير هذا الموضع، وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة، فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها، فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي، وإن كان متضمنًا لتحصيل مصلحة، ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأمورًا به، بل يكون محرّمًا إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015