بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع
(المحتسب فيه (2))
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
إنما يطلب الاحتساب إذا كان من ورائه تحصيل مصلحة، أو دفع مفسدة، فإذا كان ما يترتب عليه فوات معروف أكبر، أو حصول منكر أكبر، لم يكن هذا الاحتساب مطلوبًا شرعًا، وإن كان المحتسب عليه قد ترك واجبًا، أو فعل محرمًا؛ لأن على المحتسب أن يتقي الله تعالى في عباده، وليس عليه هداهم، وليس من تقوى الله أن يتسبب باحتسابه في فوات معروف أكبر، أو حصول منكر أكبر؛ لأنّ الشرع إنما أوجب الحسبة؛ لقمع الفساد، وتحصيل الصلاح.
فإذا كان ما يترتب على الاحتساب مقدارًا من الفساد أكبر من الفساد القائم، أو يفوت من الصلاح مقدارًا أكبر من الصلاح الفائت، لم يكن هنا الاحتساب مما أمر به الشرع.
والأصل في ذلك ما رواه الشيخان، وغيرهما من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ((يا عائشة، لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس، وباب يخرجون)).
وقد أخرج الإمام البخاري رحمه هذا الحديث في مواضع من كتابه أولها: كتاب العلم، في باب: من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقع في أشد منه.
وقد قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرح هذه الترجمة: "وفي الحديث معنى ما ترجم له؛ لأن قريشًا كانت تعظم أمر الكعبة جدًّا، فخشي -صلى الله عليه وسلم- أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غير بناءها؛ لينفرد بالفخر عليهم في ذلك،