المصراة يرد معها عوض اللبن صاعًا من تمر، وأن صلاة الكسوف بركوعين في كل ركعة، وأن القضاء جائز بشاهد ويمين، إلى أضعاف أضعاف ذلك من المسائل.

ولهذا صرح الأئمة بنقض حكم من حكم بخلاف كثير من هذه المسائل، من غير طعن منهم على من قال بها. وعلى كل حال، فلا عذر عند الله يوم القيامة لمن بلغه ما في المسألة من هذا الباب، وغيره من الأحاديث والآثار التي لا معارض لها إذا نبذها وراء ظهره، وقلد من نهاه عن تقليده، وقال له: لا يحل لك أن تقول بقولي إذا خالف السنة، وإذا صح الحديث فلا تعبأ بقولي.

وحتى لو لم يقل له ذلك، كان هذا هو الواجب عليه وجوبًا لا فسحة له فيه، وحتى لو قال له خلاف ذلك لم يسعه إلا اتباع الحجة، ولو لم يكن له في هذا الباب شيء من الأحاديث والآثار البتة، فإن المؤمن يعلم بالاضطرار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعلم أصحابه هذه الحيل، ولا يدلهم عليها، ولو بلغه عن أحد فعل شيئًا منها؛ لأنكر عليه، ولم يكن أحد من أصحابه يفتي بها، ولا يعلمها، وذلك مما يقطع به كل من له أدنى اطلاع على أحوال القوم، وسيرتهم، وفتاويهم، وهذا القدر لا يحتاج إلى دليل أكثر من معرفة حقيقة الدين الذي بعث الله به رسوله الأمين -صلى الله عليه وسلم.

وقد لخص الدكتور عبد الكريم زيدان في كتاب (أصول الدعوة) كلام ابن القيم هذا فقال في اشتراط عدم الخلاف: يشترط في المنكر أن يكون مما اتفق الفقهاء على اعتباره منكرًا؛ حتى لا يحتج المحتسب عليه بأن ما يفعله جائز على رأي بعض الفقهاء، وإن كان غير جائز على رأي المحتسب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015