قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام الليل)) قال: فلما كانت الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قلت: وما الفلاح! قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر)) ونحوه في الترمذي وقال فيه حسن صحيح. لكنه صلى الله عليه وسلم لما خاف افتراضه على الأمة أمسك عن ذلك. ففي الصحيح عن عائشة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: ((قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إلا أني خشيت أن يفرض عليكم)) وذلك في رمضان)) . وخرجه مالك في الموطأ.
فتأملوا! ففي هذا الحديث ما يدل على أنها سنة، فإن قيامه أولاً بهم دليل على صحة القيام في المسجد في رمضان، وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدل على امتناعه مطلقاً، لأن زمانه كان زمان تشريع ووحي، فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به الناس الإلزام، فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع الأمر إلى أصله وقد ثبت الجواز فلا ناسخ له، وإنما لم يقم بذلك أبو بكر لأحد أمرين، إما لأنه رأى قيام الناس آخر الليل وما هم به عليه كان أفضل