البعض تعريفَ السحر لغةً، ومايَزَ آخرُ بينهما، واقتصر أحدها على بيان نوع من أنواعه كالتنجيم، واختصر آخر أعماله المخصوصة فلم يُمثِّل لها، كما لم يُبيِّن أثرها.
التعريف المختار:
إن هذا التباين بين هذه التعريفات هو ما حدا بالعلاّمة التهانوي في كشّافه - على كثرة بحثه وسعة اطلاعه - إلى القول: [لم يصل إليّ تعريف يعوّل عليه في كتب الفقه] ، ثم إنه عرّف السحر بما يجمع غالبًا بين جميع ما سبق من تعريفات، فقال: [والأقرب أنه الإتيان بخارق عند مزاولةِ قولٍ أو فعل محرّمٍ في الشرع، أجرى الله سبحانه سنته عنده ابتلاءً] (?) . ولو جاز لنا - توضيحًا - تعديل طفيف على تعريفه هذا، لقلنا إن التعريف المختار للسحر هو: إتيان نفس شريرة أمرًا خارقًا - ضارًا غير نافع - عند مزاولتها قولاً أو فعلاً محرّمًا في الشرع، أجرى الله سبحانه سُنّته - الكونية - عنده ابتلاءً.
شرح وجيز للتعريف، مع بيان محترزاته:
(إتيان) : دلت على مباشرة الساحر السحرَ، لا مجرّد تعلّمه، أو تعليمه.
(نفس شريرة) : دلت على أن من شرط إعمال السحر أن يقوم بمزاولته [نفس خبيثة، ينفصل عنها نَفَس ممازج للشر والأذى مقترن بالريق الممازج لذلك، والحال أن تلك النّفْس قد تساعدت والروح الشيطانية على أذى المسحور. قال تعالى: [الفَلَق: 4] {وَمِنْ شَرِّ النَفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ *} ، فإن النفاثات هنا: هن الأرواح والأنفس الخبيثة، لا النساء النفاثات وحسب، لأن تأثير السحر إنما هو من جهة تلك الأنفس الخبيثة والأرواح الشريرة، وسلطانه إنما يظهر منها، فلهذا ذكرت النفاثات هنا بلفظ التأنيث