وقوع مرض له صلى الله عليه وسلم بسبب السحر - نظير ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من المرض بسبب تلك الشاة المسمومة التي أتت بها يهودية فأكل عليه الصلاة والسلام منها (?) ، وقد أدرك يهود خيبر أن نجاته عليه الصلاة والسلام من الموت بالحال من أثر ذلك السمِّ الفتاك الذي دُسَّ له، هو دليل دامغ على صدق نبوته، حيث سألهم صلى الله عليه وسلم: «هل جعلتم في هذه الشاة سمًا؟» فقالوا: نعم، فقال: «ما حَمَلكم على ذلك» ؟ فقالوا: أردنا إن كنت كاذبًا نستريح منك، وإن كنت نبيًا لم يضرّك» (?) .
فلم يضره ذلك السمّ على الوجه المعهود، - وبخاصة أن اليهودية التي أهدت الشاة كانت قد أكثرت السم في الكتف والذراع؛ لأنه بلغها أن ذلك كان أحبّ أعضاء الشاة إليه صلى الله عليه وسلم - لكن أثره مع ذلك كان بصورة ألم ناشئ عن ذلك الأكل ومرض كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من تلك الأكلة أحيانًا، وقد أخبر أنس رضي الله عنه عن أثر ذلك السم بقوله: (فما زلت أعرفها في لهوات (?) رسول الله صلى الله عليه وسلم) (?) ، كذلك هنا، فإن أشد أنواع السحر لم يُذهِب بعقله، بل أثّر في ظاهر جسده مرضًا حتى صار كالذي ينكر بصره وأُخِذ عن النساء فترة يسيرة. وعلى ذلك كلِّه لا يبقى لمن ادعى تنقُّصًا من مقام النبوَّة بإثبات حديث السحر حجّة، بل إن فيه من دلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم ما فيه، وأن من دلائلها الباهرات عصمة الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم من قتل الناس له بسُمٍّ، ولو كان فتاكًا، أو ذهول عقل بسِحر ولو كان أشد أنواع السحر، وكذلك عصمته صلى الله عليه وسلم عن مطلق تسليطٍ مُهلِكٍ من الناس، وهو القائل سبحانه: [المَائدة: 67] .