المصلحة، وبخاصة إذا كانت المفسدة المتوقعة: فتنة عظيمة كما هو الحال هنا، فَكَرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثير تلك الفتنة بين الناس، حتى إنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر ذلك لذلك المنافق، ولا رآه في وجهه قط، وكل ذلك مرده إلى بالغ حكمته صلى الله عليه وسلم، فهو الأسوة الحسنة في تعليم الصبر لمن ابتلي من أمته بمثل ذلك، ليعمد إلى الدعاء بعظيم إخلاص، ثم لا يغضب لنفسه فيسعى للانتصار لها، فيكون بذلك سببًا لإثارة شر على الناس، فإن اقتدى بنبيِّه صلى الله عليه وسلم بذلك كان ذلك سببًا متيقنًا لحصول شفائه ومعافاته، والله أعلم.

ومما اختلفت به الروايات كذلك ورود بعضها بلفظ عام، والآخر مخصوصًا، ومثاله: «حتى كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله» ، و «حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن» ، وهذا - كما هو معلوم - لا يستلزم ضعفًا في الحديث أو اضطرابًا في ألفاظ متنه، فإن لفظ الرواية الثانية جاء مخصِّصًا لما في الأولى، ومبينًا لما أُجمِل فيها، فالمراد بالشيء: مباشرة النساء، وقد ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها ما يفيد معرفة السامع للمراد، دون التصريح بما يخص الجماع، وذلك فيه مزيد تأدب واستحياء منها، وتعظيم لمقام النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لكن التصريح في بعض الروايات يبين المجمل منها، حتى لا يُظنّ أن التخيّل الذي وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامًّا في كل أفعاله صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك مسلكًا لطاعن في مقام النبوَّة الكريم، من أنه يحتمل عندئذ أن يتخيل نزول جبريل بالوحي، وليس ثمة ذلك. فتأمل - رحمك الله - كيف تكامل معنى الروايات، وكيف صدَّق بعضُها بعضًا.

كما أنه لم يَرِد - فيما تتبعتُه من روايات الحديث - ما يفيد تلميحًا أو تصريحًا نسبةَ التخيل في القول إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتى يكون لذلك التخيل مدخلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015