يسخّر كل أنشطة الحياة لكسب رضوان الله تعالى في هذه الحياة إلا وسلكه.
ولنأت بعد تقرير ذلك إلى ما نحسبه مسهمًا في تخليص شبابنا من براثن تلك الدعوات الهدامة، وهو يتلخص في ضرورة توجيه موارد الأمة وثرواتها وجهة التنمية الإنسانية، أعني بذلك تنمية العقل والروح والمشاعر والطموح الخاص لدى الشباب، وأن يكون جميع ذلك متوازنًا وموازيًا لتوفير الحاجات المادية بتوفير فرص عمل مناسبة لهم، فإن هذا التوازن - وبخاصة إذا أطر بإطار المشروعية والاعتدال - أشعر الشباب بملئهم حيزًا مهمًا في المجتمع، وأكسبهم خبرة عملية يستنتجون من خلالها ما يسمى فقه الموازنات، وفقه الأولويات، فلا يكون أحدهم كتاجر خارج السوق، أو مهندس ينشئ المشاريع على صفحات الورق، فإذا طبق الشباب تعاليم الدين عمليًا في المجتمع، تعرفوا عندها على الموازنة بين هذه التعاليم، وتقديم أولوياتها في التطبيق، لكن لو بقي أحدهم أسير سماع محاضرات علمية، وهو يمارس دور المتلقّي دومًا، ويشعر بأنه قد أقصي عن مسرح الحياة العامة، فإنه بطبيعة الشباب التواقة دومًا إلى الانتقاد والتغيير سوف ينتقد ولا شك كل ما حوله، لما يجده من هوة سحيقة بين ما يتلقفه نظريًا، وبين ما يراه في أرض الواقع، ولو أنه شارك - ولو بقدْر يسيرٍ - في بناء ما حوله لوجد أن طموحاته تلك تحتاج إلى جهد عظيم في البناء واستفراغ كل الطاقات في خدمة مجتمعه، فلم يجد عندئذ وقتًا ضائعًا أو غير ضائع ليصرفه فيما يعتبره هو إزهاقًا لطاقاته، واستخفافًا بإمكاناته، فلا مشعوذ دجال يستخف عقله، ولا صاحب يُمَنِّيهِ بقدرة الساحر فلان على تحقيق أمنياته، ولا جماعة منحرفة لها أن تبذر بذارها الفاسدة في أرض عقله.
وها هم رسل الله عليهم السلام كانت تأتيهم معونة الله تعالى من حيث لم يحتسبوا، وفي اللحظة الأخيرة الحاسمة، وبعد استفراغهم ومن معهم