إن الإيمان صلة كريمة بين العباد وربهم ومن حق هذه الصلة بل أثرها الأول تزكية النفس وتقويم الأخلاق وتهذيب الأعمال ولن يتم ذلك إلا إذا تأسست في النفس عاطفة حية تترفع بها أبدًا عن الخطايا، وتستشعر الغضاضة من سفاسف الأمور، أما الإلمام بالمحاقر دون تورع، والوقوفع في الصغائر دون اكتراث؛ فذلك دلالة فقدان النفس لحيائها ثم فقدانها لإيمانها.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الحياء والإيمان قرناء جميعًا؛ فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)) وعلة ذلك أن المرء حينما يفقد حياءه يتدرج من سيئ إلى أسوأ، ويهبط من رذيلة إلى أرذل ولا يزال يهوي حتى ينحدر إلى الدرك الأسفل، وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث يكشف عن مراحل هذا السقوط الذي يبتدئ بضياع الحياء، وينتهي بشر العواقب قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -عز وجل- إذا أراد أن يهلك عبدًا نزع منه الحياء؛ فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتًا ممْقَتًا، فإذا لم تلقه إلا مقيتًا ممقتًا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنًا مخونًا، فإذا لم تلقه إلا خائنًا مخونًا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيمًا ملعنًا، فإذا لم تلقه إلا رجيمًا ملعنًا نزعت منه ربقة الإسلام)).

وهذا ترتيب دقيق في وصفه لأمراض النفوس، وتتبعه لأطوارها، وكيف تسلم كل مرحلة خبيثة إلى أخرى أشد نكرًا إن الرجل إذا مزق الحجاب عن وجهه، ولم يتهيب على عمله حسابًا، ولم يخش في سلوكه لومةَ لائم مد يد الأذى للناس، وطغى على كل من يقع في سلطانه، ومثل هذا الشخص الشرس لن يجد قلبًا يعطف عليه، بل إنه يغرس الضغائن في القلوب وينميها، وأي حب لامرئ جريء على الله، وعلى الناس لا يرده عن الآثام حياء، فإذا سار الشخص بهذه المثابة لم يؤتمن على شيء قط؛ إذ كيف يؤتمن على أموال لا يخجل من أكلها، أو على أعراض لا يستحي من فضحها، أو على موعد لا يهمه أن يخلفه، أو على واجب لا يبالي أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015