القضايا العامة شديد مبيد؛ ومن ثم خوف الرسول -صلى الله عليه وسلم- منه على هذا النحو الصارخ.
وعلى أرباب الحرف والصناعات أن يجعلوا من كلمتهم قانونًا مرعي الجانب يقفون عنده ويستمسكون به؛ فإنه لمن المؤسف حق ًّ اأن تكون الوعود المخلفة والحدود المائعة عادة مأثورة عن كثير من المسلمين مع أن دينهم جعل الوعود الكاذبة أمارة النفاق، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقدس الكلمة التي يقول، ويحترم الكلمة التي يسمعها، وكان ذلك شارة الرجولة الكاملة فيه - أي علامة الرجولة الكاملة - فيه حتى قبل أن يرسل إلى الناس.
عن عبد الله بن أبي الحمساء، قال: بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببيع قبل أن يبعث فبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاثة فجئت فإذا هو في مكانه، فقال: ((يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك))، سبحان الله يقف -صلى الله عليه وسلم- منتظرًا لرجل قال له: سآتيك هنا في هذا المكان فيقف -صلى الله عليه وسلم- في المكان ثلاثة أيام ينتظر ذلك الرجل ليعود إليه كان يحضر في الموعد المضروب بينهما.
وحدث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعد جابر بن عبد الله بعطاء من مال البحرين ثم عاجلته الوفاة قبل الوفاء - يعني توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يأتي المال من البحرين - فلما جاء مال البحرين إلى خليفته -رضي الله عنه- أبي بكر الصديق أطلق مناديًا في الناس؛ ألا من كان له على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدة - يعني وعد أو دين - فليأتنا؛ انظر كيف توزن الكلمة ويوجب تنفيذها حتى لا تذهب هباءً مع اللغو الضائع، على أن الوعود الك اذب ة ليس فقط كلامًا يذهب سدى، ولكنها خرق بالمصالح، وإضرار بالناس، وإهدار للأوقات، وليس صدق الوعد خلة تافهة؛ إنها محمدة ذكرها الله - عز وجل - في