الملك أن يستخلص يوسف لنفسه ويوله أمرًا مهمًا في دولته، بعدما ثبتت براءته وأمانته على بيته وافق يوسف وأعلن عن أمانته وحفظه، وأن هذا مؤهل له لأن يتولى خزائن الأرض؛ قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف: 54 - 56).
ولذلك لم يعط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا ذر -رضي الله عنه- الصحابي الجليل الذي قال عنه: ((ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء -أي: السماء- أصدق لهجة من أبي ذر)) لم يوله الإمارة خوفًا عليه من هذه الأمانة؛ لأنه ضعيف ربما قصر في جانب من جوانبها؛ روى مسلم في (صحيحه) بسنده عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: ((يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)).
ومن الأدلة الواضحة أيضًا على أن الأمانة خلق نبيل جاءت في كل الشرائع؛ ما جاء في قصة بنتي شعيب عندما لاحظتا هذه الأمانة على موسى - عليه السلام - وذلك قبل أن يتنبأ موسى؛ فالأمانة معروفة من قبل أن يكون موسى نبي ًّ اومدحته بها ابنة شعيب بأنه قوي أمين، وذلك عندما سقى لهما ثم تولى إلى الظل راجيًا عطاء ربه قائل ً ا: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير، وظهرت أمانته عندما جاءته إحداهما تمشي على استحياء تطلب منه أن يذهب لمقابلة أبيها، فرأت في الطريق عفته وأمانته؛ إذ لم يقبل أن يمشي إلا أمامها حتى لا يرى منها شيئًا، فقالت لأبيها: إن خير من استأجرت القوي الأمين.