وهكذا كل عبادات الإسلام سُمُوٌّ ورقي بالأخلاق، فالمسلم الحق الذي يقوم بما فرض الله عليه من عبادات تظهر عليه وعلى سلوكياته أخلاق كريمة فاضلة، دعت إليها هذه العبادات، وفي هذا المعنى يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله تعالى- في كتابه (خلق المسلم) يقول تحت عنوان أركان الإسلام ومبادئ الأخلاق، جاء ذلك في مقدمة الكتاب يقول: "لقد حدَّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغاية الأولى من بعثته، والمنهاج المبين في دعوته بقوله -صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق))، هذا الحديث رواه الإمام مالك بن أنس في (الموطأ) وغيره".
فكأن الرسالة التي خطَّت مجراها في تاريخ الحياة، وبذل صاحبها جهدًا كبيرًا في مدِّ شعاعها وجمع الناس حولها، لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم، وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم؛ حتى يسعوا إليها على بصيرة، والعبادات التي شُرعت في الإسلام، واعتبرت أركانًا في الإيمان به ليست طقوسًا مبهمة من النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلّفه بأداء أعمال غامضة، وحركات لا معنى لها، كلا، فالفرائض التي ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه، هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة، وأن يظلَّ مستمسكًا بهذه الأخلاق مهما تغيرت أمامه الظروف، إنها أشبه بالتمارين الرياضية التي يُقبل الإنسان عليها بشغف ملتمسًا من المداومة عليها عافية البدن وسلامة الحياة، والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق.
فالصلاة الواجبة عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها فقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45) فالإبعاد عن الرذائل، والتطهير من سوء القول وسوء العمل هو حقيقة الصلاة، وقد جاء في حديث يرويه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربِّه، رواه الإمام البزار، قال فيه -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه