ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (النمل: 82) ففي هذه الآية إخبار عن خروج دابة تُكلم الناس حينما يأتي أمر الله كمقدمة من مقدمات الساعة، وحينما لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، ولا ينبغي أن يُبحث عما وراء ذلك من الغرائب التي قيلت في وصف هذه الدابة من أن طولها ستون ذراعًا بذراع آدم، وأن لها وجه إنسان، ورأس ثور، وعين خنزير، وأُذن فيل، وأنه لا يُدركها طالب ولا يُفوتها هارب، وأنها تحمل عصى موسى، وخاتم سليمان، فذلك لم يصح منه شيء.

قال الإمام الرازي: "واعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شيء من هذه الأمور؛ فإن صح الخبر فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُبل، وإلا لم يُلتفت إليه. إن خروج الدابة غيب من الغيوب، فيجب علينا الوقوف عند ما أخبر به القرآن والسنة الصحيحة، ولم يأتِ فيها سوى أنها دابة ستخرج، وأنها ستكلم الناس، وأن ذلك من أمارات الساعة، وقد ذُكر في السورة نفسها أن موسى -عليه السلام- ألقى عصاه بأمر الله، فإذا هي تهتزّ كأنها جان، وأن سليمان عرف لغة الطير، وسمع كلام النملة وهي تدعو جماعتها لتدخل مساكنها؛ مخافة أن يُحطمها سليمان هو وجنوده، وهم لا يشعرون، وأن سليمان تبسَّم ضاحكًا من قولها، وفي السورة أيضًا أن الهدهد كلَّم سليمان بخبر سبأ وقال: {إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ * لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النمل:23: 25)، والدابة التي ستخرج من الأرض، وتكلم الناس سيكون كلامها لهم من هذا القبيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015