ورواها الإمام مسلم في كتاب العلم في باب رفع العلم. ورواها الترمذي أيضًا في كتاب الفتن، في باب: ما جاء في أشراط الساعة.
والمعنى العام لهذا الحديث: بين لنا -صلى الله عليه وسلم- شيئًا من أشراط الساعة؛ فإن الساعة غيبٌ لا يعلمها إلا الله ولكن من علاماتها أن يرفع العلم، أي: يذهب العلماء ويقضون نحبهم؛ فإن العلم لا يقبض انتزاعًا، وإنما يكون بموت العلماء. وما دامَ ذهب العلماء إلى مصيرهم المحتوم، فلا بد أن ينتشر الجهل، وأن يثبت، ويصبح الجهلُ له أركان، ويسير الناسُ وراء الجهلة فيفتونهم بما يعرفون، وما لا يعرفون؛ فينتشر الضلال في الأرض، فتستباح الحرمات بفتاوى ضالة من الجهال الذين يثبت أمرهُم، ويمكن لهم في الأرض والصدارة، وإذا بشرب الخمر يكثر وينتشر ويفشو؛ فإن الخمر كانت موجودة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن المراد منها في آخر الزمان عندما تكون علامة من علامات الساعة كثرتها عن المعتاد، وتسمى بغير اسمها تمويهًا، وتضليلًا من الشيطان وحزبه. وأيضًا يظهر الزنا أي ينتشر ويكثر عما كان عليه في عهده -صلى الله عليه وسلم- ثم زادت الرواية الثانية علامة وأنقصت علامة؛ فلم تذكر انتشار الخمر وزادت، وأن يكثر النساء، ويَقِلَّ الرجالُ حتى يكون للرجل الواحد خمسينَ امرأة يتولى شئونهن.
توضيح الحديث: في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من أشراط الساعة أن يرفع ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا)).
((أشراط الساعة)) أي علاماتها يرفع العلم أي: يرفع بموت حملته، وقبض نقلته لا بمحوه من الصدور يثبت الجهل عند مسلم يبث الجهل، وهو الظهور، والفشو والانتشار، يُشرب الخمر يكثر شرب الخمر، كما ورد مصرحًا به في طريق أخرى فحمل المطلق على المقيد؛ لأن سياق الحديث في الإخبار عن أشياء