الاعتراض الأول: أن العقوبة بالقطع محض ضرر السارق.
نعى ابن القيم على المتباكين على هؤلاء اللصوص، الذين يقولون إن القطع شر محض على المقطوع فقال (?) :
(السارق إذا قطعت يده فقطعها شر بالنسبة إليه، وخير محض بالنسبة إلى عموم الناس لما فيه من حفظ أموالهم ودفع الضرر عنهم. وخير بالنسبة إلى متولي القطع أمراً وحكماً. لما في ذلك من الإحسان إلى عبيده عموماً بإتلاف هذا العضو المؤذي لهم المضر بهم فهو محمود على حكمه بذلك وأمره به مشكور عليه يستحق
عليه الحمد من عباده والثناء عليه والمحبة ... أفليس في عقوبة هذا الصائل خير
محض وحكمة وإحسان إلى العبيد وهي شر بالنسبة إلى الصائل الباغي فالشر ما قام
به من تلك العقوبة وأما ما نسب إلى الربّ منها من المشيئة والإرادة والفعل فهو عين الخير والحكمة. فلا يغلظ حجابك عن فهم هذا النبأ العظيم والسر الذي يطلعك على مسألة القدر ويفتح لك الطريق إلى الله ومعرفة حكمته ورحمته وإحسانه إلى خلقه وأنه سبحانه كما أنه البر الرحيم الودود المحسن فهو الحكيم الملك العدل، فلا تناقض حكمته رحمته، بل يضع رحمته وبره وإحسانه موضعه، وكلاهما مقتضى عزته وحكمته وهو العزيز الحكيم. فلا يليق بحكمته أن يضع رضاه موَضع العقوبة والغضب، ولا يضع غضبه وعقوبته موضع رضاه ورحمته. ولا تلتفت إلى قول من غلظ حجابه عن الله: أن الأمرين بالنسبة إليه على حد
سواء ولا فرق أصلاً وإنما هو محض المشيئة بلا سبب ولا حكمة؟. وتأمل القرآن من أوله إلى آخره كيف تجده كفيلاً بالرد على هذه المقالة وإنكارها أشد الإنكار وتنزيه نفسه عنها كقوله تعالى (?) (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف
تحكمون) وقولة (?) (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا